وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون
لما أظهر لرسوله أن المعاندين لا يعلمون الحق لإعراضهم عن تلقيه أقبل على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بتأييد مقاله الذي لقنه أن يجيبهم به وهو قوله تعالى :
قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ، فأفاد تعميمه في شرائع سائر الرسل سواء من أنزل عليه كتاب ومن لم ينزل عليه كتاب ، وسواء من كان كتابه باقيا مثل
موسى وعيسى وداود ومن لم يبق كتابه مثل
إبراهيم .
[ ص: 49 ] وليس ذكر هذه الجملة لمجرد تقرير ما قبلها من آي التوحيد وإن أفادت التقرير تبعا لفائدتها المقصودة . وفيها إظهار لعناية الله تعالى بإزالة الشرك من نفوس البشر ، وقطع دابره إصلاحا لعقولهم بأن يزال منها أفظع خطل وأسخف رأي ، ولم تقطع دابر الشرك شريعة كما قطعه الإسلام بحيث لم يحدث الإشراك في هذه الأمة .
وحرف " من " في قوله تعالى : "
من رسول " مزيد لتوكيد النفي .
وفرع فيما أوحي إليهم أمره إياهم بعبادته على الإعلان بأنه لا إله غيره ، فكان استحقاق العبادة خاصا به تعالى .
وقرأ الجمهور إلا يوحى إليه بمثناة تحتية مبنيا للنائب ، وقرأه حفص وحمزة والكسائي بالنون مبنيا للفاعل ، والاستثناء المفرع في موضع الحال .