أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون
تفريع على إحالتهم نصر المسلمين وعدهم تأخير الوعد به دليلا على تكذيب وقوعه حتى قالوا :
متى هذا الوعد إن كنتم صادقين تهكما وتكذيبا ، فلما أنذرهم بما سيحل بهم في قوله تعالى :
لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار إلى قوله تعالى :
ما كانوا به يستهزئون فرع على ذلك كله استفهاما تعجيبيا من عدم اهتدائهم إلى أمارات اقتران الوعد بالموعود استدلالا على قربه بحصول أماراته . والرؤية علمية ، وسدت الجملة مسد المفعولين ؛ لأنها في تأويل مصدر ، أي اعجبوا من عدم اهتدائهم إلى نقصان أرضهم من أطرافها ، وأن ذلك من صنع الله تعالى بتوجه عناية خاصة ، لكونه غير جار على مقتضى الغالب المعتاد ، فمن تأمل علم أنه من عجيب صنع الله تعالى . وكفى بذلك دليلا على تصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى صدق ما وعدهم به وعناية ربه به كما دل عليه فعل " نأتي " ، فالإتيان تمثيل بحال الغازي الذي يسعى إلى أرض قوم فيقتل ويأسر كما تقدم في قوله تعالى :
فأتى الله بنيانهم من القواعد . والتعريف في " الأرض " تعريف العهد ، أي أرض العرب ، كما في قوله تعالى : في سورة
يوسف فلن أبرح الأرض أي أرض
مصر .
[ ص: 77 ] والنقصان : تقليل كمية شيء .
والأطراف : جمع طرف بفتح الطاء والراء . وهو ما ينتهي به الجسم من جهة من جهاته . وضده الوسط .
والمراد بنقصان الأرض : نقصان من عليها من الناس لا نقصان مساحتها ؛ لأن هذه السورة مكية ؛ فلم يكن ساعتئذ شيء من أرض المشركين في حوزة المسلمين ، والقرينة المشاهدة .
والمراد : نقصان عدد المشركين بدخول كثير منهم في الإسلام ممن أسلم من
أهل مكة ، ومن هاجر منهم إلى
الحبشة ، ومن أسلم من
أهل المدينة إن كانت الآية نزلت بعد إسلام
أهل العقبة الأولى أو الثانية ، فكان عدد المسلمين يومئذ يتجاوز المائتين . وتقدم نظير هذه الجملة في ختام سورة الرعد .
وجملة " أفهم الغالبون " مفرعة على جملة التعجيب من عدم اهتدائهم إلى هذه الحالة . والاستفهام إنكاري ، أي فكيف يحسبون أنهم غلبوا المسلمين وتمكنوا من الحجة عليهم .
واختيار الجملة الاسمية في قوله تعالى : " أفهم الغالبون " دون الفعلية لدلالتها بتعريف جزأيها على القصر ، أي ما هم الغالبون بل المسلمون الغالبون ، إذ لو كان المشركون الغالبين لما كان عددهم في تناقص ، ولما خلت بلدتهم من عدد كثير منهم .