ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور
فذلكة ما تقدم ، فالجملة تذييل . والإشارة بـ ( ذلك ) إلى ما تقدم من أطوار خلق الإنسان وفنائه ، ومن إحياء الأرض بعد موتها وانبثاق النبت منها . وإفراد حرف الخطاب المقترن باسم الإشارة لإرادة مخاطب غير معين على نسق قوله
وترى الأرض هامدة على أن اتصال اسم الإشارة بكاف خطاب الواحد هو الأصل .
والمجرور خبر عن اسم الإشارة ، أي ذلك حصل بسبب أن الله هو الحق إلخ . والباء للسببية فالمعنى : تكون ذلك الخلق من تراب وتطور ، وتكون إنزال الماء على الأرض الهامدة والنبات البهيج بسبب أن الله هو الإله الحق دون غيره . ويجوز أن تكون الباء للملابسة ، أي كان ذلك الخلق وذلك الإنبات البهيج ملابسا لحقية إلهية الله وهذه الملابسة ملابسة الدليل لمدلوله . وهذا أرشق من حمل الباء على معنى السببية وهو أجمع ؛ لوجود الاستدلال .
[ ص: 205 ] والحق : الثابت الذي لا مراء فيه ، أي هو الموجود . والقصر إضافي ، أي دون غيره من معبوداتكم فإنها لا وجود لها قال تعالى
إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان . وهذا الاستدلال هو أصل بقية الأدلة لأنه نقض للشرك الذي هو الأصل لجميع ضلالات أهله كما قال تعالى
إنما النسيء زيادة في الكفر . وأما بقية الأمور المذكورة بعد قوله
ذلك بأن الله هو الحق ، فهي لبيان
إمكان البعث . ووجه كون هذه الأمور الخمسة المعدودة في هذه الآية ملابسة لأحوال خلق الإنسان وأحوال إحياء الأرض - أن تلك الأحوال دالة على هذه الأمور الخمسة : إما بدلالة المسبب على السبب بالنسبة إلى وجود الله وإلى ثبوت قدرته على كل شيء ، وإما بدلالة التمثيل على الممثل والواقع على إمكان نظيره الذي لم يقع بالنسبة إلى إحياء الله الموتى ،
ومجيء الساعة ، والبعث ، وإذا تبين إمكان ذلك حق التصديق بوقوعه لأنهم لم يكن بينهم وبين التصديق به حائل إلا ظنهم استحالته ، فالذي قدر على خلق الإنسان عن عدم سابق قادر على إعادته بعد اضمحلاله الطارئ على وجوده الأحرى بطريقة .
والذي خلق الأحياء بعد أن لم تكن فيها حياة يمكنه فعل الحياة فيها أو في بقية آثارها أو خلق أجسام مماثلة لها وإيداع أرواحها فيها بالأولى . وإذا كان ذلك علم أن ساعة فناء هذا العالم واقعة قياسا على انعدام المخلوقات بعد تكوينها ، وعلم أن الله يعيدها قياسا على إيجاد النسل وانعدام أصله
[ ص: 206 ] الحاصل للمشركين في وقوع الساعة منزل منزلة العدم لانتفاء استناده إلى دليل . وصيغة نفي الجنس على سبيل التنصيص صيغة تأكيد . لأن لا النافية للجنس في مقام النفي بمنزلة ( إن ) في مقام الإثبات ولذلك حملت عليها في العمل .