[ ص: 240 ] وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود
عطف على جملة
ومن يرد فيه بإلحاد بظلم عطف قصة على قصة . ويعلم منها تعليل الجملة المعطوفة عليها بأن
الملحد في المسجد الحرام قد خالف بإلحاده فيه ما أراده الله من تطهيره حين أمر ببنائه . والتخلص من ذلك إلى إثبات ظلم المشركين وكفرانهم نعمة الله في إقامة
المسجد الحرام وتشريع الحج . و ( إذا ) اسم زمان مجرد عن الظرفية فهو منصوب بفعل مقدر على ما هو متعارف في أمثاله ، والتقدير : واذكر إذ بوأنا ، أي اذكر زمان بوأنا
لإبراهيم فيه كقوله تعالى
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، أي اذكر ذلك الوقت العظيم . وعرف معنى تعظيمه من إضافة اسم الزمان إلى الجملة الفعلية دون المصدر فصار بما يدل عليه الفعل من التجدد كأنه زمن حاضر .
والتبوئة : الإسكان . وتقدم في قوله تعالى
وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها .
والمكان : الساحة من الأرض وموضع للكون فيه ، فهو فعل مشتق من الكون ، فتبوئته المكان : إذنه بأن يتخذه مباءة ، أي مقرا يبني فيه بيتا ، فوقع بذكر ( مكان ) إيجاز في الكلام كأنه قيل : وإذ أعطيناه مكانا ليتخذ فيه بيتا ، فقال : مكان البيت ، لأن هذا حكاية عن قصة معروفة لهم . وسبق ذكرها فيما نزل قبل هذه الآية من القرآن . واللام في (
لإبراهيم ) لام العلة لأن (
إبراهيم ) مفعول أول لـ ( بوأنا ) الذي هو من باب أعطى ، فاللام مثلها في قولهم : شكرت
[ ص: 241 ] لك ، أي شكرتك لأجلك . وفي ذكر اللام في مثله ضرب من العناية والتكرمة . و ( البيت ) معروف معهود عند نزول القرآن فلذلك عرف بلام العهد ولولا هذه النكتة لكان ذكر ( مكان ) حشوا . والمقصود أن يكون مأوى للدين ، أي معهدا لإقامة شعائر الدين . فكان يتضمن بوجه الإجمال أنه يترقب تعلما بالدين فلذلك أعقب بحرف ( أن ) التفسيرية التي تقع بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه . وكان أصل الدين هو نفي الإشراك بالله فعلم أن البيت جعل معلما للتوحيد بحيث يشترط على الداخل إليه أن لا يكون مشركا ، فكانت
الكعبة لذلك
أول بيت وضع للناس ، لإعلان التوحيد كما بيناه عند قوله تعالى
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين في سورة آل عمران . وقوله تعالى
وطهر بيتي مؤذن بكلام مقدر دل عليه
بوأنا لإبراهيم مكان البيت . والمعنى : وأمرناه ببناء البيت في ذلك المكان ، وبعد أن بناه قلنا لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي . وإضافة البيت إلى ضمير الجلالة تشريف للبيت . والتطهير : تنزيهه عن كل خبيث : معنى كالشرك والفواحش وظلم الناس وبث الخصال الذميمة ، وحسا من الأقذار ونحوها ، أي أعدده طاهرا للطائفين والقائمين فيه .
والطواف : المشي حول
الكعبة ، وهو عبادة قديمة من زمن
إبراهيم قررها الإسلام وقد كان أهل الجاهلية يطوفون حول أصنامهم كما يطوفون
بالكعبة .
[ ص: 242 ] والمراد بالقائمين الداعون تجاه
الكعبة ، ومنه سمي
مقام إبراهيم ، وهو مكان قيامه للدعاء فكان الملتزم موضعا للدعاء . قال
زيد بن عمرو بن نفيل :
عذت بما عاذ به إبراهم مستقبل الكعبة وهو قائم
والركع : جمع راكع ، ووزن فعل يكثر جمعا لفاعل وصفا إذا كان صحيح اللام نحو : عذل وسجد .
والسجود : جمع ساجد مثل : الرقود ، والقعود ، وهو من جموع أصحاب الأوصاف المشابهة مصادر أفعالها .