ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق
أعقب نهيهم عن الأوثان بتمثيل
فظاعة حال من يشرك بالله في مصيره بالشرك إلى حال انحطاط وتلقف الضلالات إياه ويأسه من النجاة ما دام مشركا تمثيلا بديعا إذ كان من قبيل التمثيل القابل لتفريق أجزائه إلى تشبيهات .
قال في الكشاف : يجوز أن يكون هذا التشبيه من المركب والمفرق بأن صور حال المشرك بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير فتفرق مزعا في حواصلها ، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح البعيدة ، وإن كان مفرقا ، فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء ، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء ، والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة . والشيطان الذي يطوح
[ ص: 255 ] به في وادي الضلالة بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة اهـ . يعني أن المشرك لما عدل عن الإيمان الفطري وكان في مكنته فكأنه كان في السماء فسقط منها ، فتوزعته أنواع المهالك . ولا يخفى عليك أن في مطاوي هذا التمثيل تشبيهات كثيرة لا يعوزك استخراجها .
والسحيق : البعيد فلا نجاة لمن حل فيه . وقوله
أو تهوي به الريح تخيير في نتيجة التشبيه ، كقوله
أو كصيب من السماء . أشارت الآية إلى أن
الكافرين قسمان : قسم شركه ذبذبة وشك ، فهذا مشبه بمن اختطفته الطير فلا يستولي طائر على مزعة منه إلا انتهبها منه آخر ، فكذلك المذبذب متى لاح له خيال اتبعه وترك ما كان عليه . وقسم مصمم على الكفر مستقر فيه ، فهو مشبه بمن ألقته الريح في واد سحيق ، وهو إيماء إلى أن من المشركين من شركه لا يرجى منه خلاص كالذي تخطفته الطير . ومنهم من شركه قد يخلص منه بالتوبة إلا أن توبته أمر بعيد عسير الحصول .
والخرور : السقوط وتقدم في قوله
فخر عليهم السقف من فوقهم في سورة النحل . و ( تخطفه ) مضاعف خطف للمبالغة . الخطف والخطف : أخذ شيء بسرعة سواء كان في الأرض أم كان في الجو ومنه تخطف الكرة . والهوي : نزول شيء من علو إلى الأرض . والباء في ( تهوي به ) للتعدية مثلها في : ذهب به .
وقرأ
نافع ، وأبو جعفر ( فتخطفه ) بفتح الخاء وتشديد الطاء مفتوحة مضارع خطف المضاعف . وقرأه الجمهور بسكون الخاء وفتح الطاء مخففة مضارع خطف المجرد .