له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد
الجملة خبر ثان عن اسم الجلالة في قوله
إن الله لطيف خبير للتنبيه على اختصاصه بالخالقية والملك الحق ليعلم من ذلك أنه المختص بالمعبودية فيرد زعم المشركين أن الأصنام له شركاء في الإلهية وصرف عبادتهم إلى أصنامهم . والمناسبة هي ذكر إنزال
[ ص: 320 ] المطر وإنبات العشب فما ذلك إلا بعض ما في السماوات وما في الأرض .
وإنما لم تعطف الجملة على التي قبلها مع اتحادهما في الغرض لأن هذه تتنزل من الأولى منزلة التذييل بالعموم الشامل لما تضمنته الجملة التي قبلها ، ولأن هذه لا تتضمن تذكيرا بنعمة . وجملة
وإن الله لهو الغني الحميد عطف على جملة
له ما في السماوات وما في الأرض . وتقديم المجرور للدلالة على القصر . أي له ذلك لا لغيره من أصنامكم ، إن جعلت القصر إضافيا ، أو لعدم الاعتداد بغنى غيره ومحموديته إن جعلت القصر ادعائيا . ونبه بوصف الغنى على أنه غير مفتقر إلى غيره ، وهو معنى الغنى في صفاته تعالى أنه عدم الافتقار بذاته وصفاته لا إلى محل ولا إلى مخصص بالوجود دون العدم والعكس تنبيها على أن افتقار الأصنام إلى من يصنعها ومن ينقلها من مكان إلى آخر ومن ينفض عنها القتام والقذر دليل على انتفاء الإلهية عنها .
وأما وصف ( الحميد ) بمعنى المحمود كثيرا ، فذكره لمزاوجة وصف الغنى لأن الغني مفيض على الناس فهم يحمدونه . وفي ضمير الفصل إفادة أنه المختص بوصف الغنى دون الأصنام وبأنه المختص بالمحمودية فإن العرب لم يكونوا يوجهون الحمد لغير الله تعالى . وأكد الحصر بحرف التوكيد وبلام الابتداء تحقيقا لنسبة القصر إلى المقصور كقول
عمرو بن معدي كرب " إني أنا الموت " . وهذا التأكيد لتنزيل تحققهم اختصاصه بالغنى أو المحمودية منزلة الشك أو الإنكار لأنهم لم يجروا على موجب علمهم حين عبدوا غيره وإنما يعبد من وصفه الغني .