وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا
عطف على جملة
ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا لبيان جرم آخر من أجرامهم مع جرم عبادة الأصنام . وهو جرم تكذيب الرسول والتكذيب بالقرآن .
والآيات هي القرآن لا غيره من المعجزات لقوله
وإذا تتلى عليهم .
والمنكر : إما الشيء الذي تنكره الأنظار والنفوس فيكون هنا اسما ، أي دلائل كراهيتهم وغضبهم وعزمهم على السوء ، وإما مصدر ميمي بمعنى الإنكار كالمكرم بمعنى الإكرام . والمحملان آيلان إلى معنى أنهم يلوح على وجوههم الغيظ والغضب عندما يتلى عليهم القرآن ويدعون إلى الإيمان . وهذا كناية عن امتلاء نفوسهم من الإنكار والغيظ حتى تجاوز أثره بواطنهم على وجوههم . كما في قوله تعالى
تعرف في وجوههم نضرة النعيم كناية عن وفرة نعيمهم وفرط مسرتهم به . ولأجل هذه الكناية عدل عن التصريح بنحو : اشتد غيظهم ، أو يكادون يتميزون غيظا ، ونحو قوله
قلوبهم منكرة وهم مستكبرون .
[ ص: 335 ] وتقييد الآيات بوصف البينات لتفظيع إنكارهم إياها . إذ ليس فيها ما يعذر به منكروها .
والخطاب في قوله ( تعرف ) لكل من يصلح للخطاب بدليل قوله
بالذين يتلون عليهم آياتنا . والتعبير بـ ( الذين كفروا ) إظهار في مقام الإضمار . ومقتضى الظاهر أن يكون
تعرف في وجوه الذين كفروا . أي وجوه الذين يعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا . فخولف مقتضى الظاهر للتسجيل عليهم بالإيماء إلى أن علة ذلك هو ما يبطنونه من الكفر .
والسطو : البطش ، أي يقاربون أن يصولوا على الذين يتلون عليهم الآيات من شدة الغضب والغيظ من سماع القرآن .
والذين يتلون يجوز أن يكون مرادا به النبيء - صلى الله عليه وسلم - من إطلاق اسم الجمع على الواحد كقوله
وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم ، أي كذبوا الرسول .
ويجوز أن يراد به من يقرأ عليهم القرآن من المسلمين والرسول . أما الذين سطوا عليهم من المؤمنين فلعلهم غير الذين قرءوا عليهم القرآن ، أو لعل السطو عليهم كان بعد نزول هذه الآية فلا إشكال في ذكر فعل المقاربة . وجملة
يكادون يسطون في موضع بدل الاشتمال لجملة
تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر لأن الهم بالسطو مما يشتمل عليه المنكر .