الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير
لما نفت الآيات السابقة أن يكون للأصنام التي يعبدها المشركون مزية في نصرهم بقوله
وما للظالمين من نصير ، وقوله
ضعف الطالب والمطلوب ونعى على المشركين تكذيبهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله
يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ، وقد كان من دواعي التكذيب أنهم أحالوا أن يأتيهم رسول من البشر
وقالوا لولا أنزل عليه ملك ، أي يصاحبه ،
وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا أعقب إبطال أقوالهم بأن الله يصطفي من شاء اصطفاءه من الملائكة ومن الناس دون الحجارة ، وأنه يصطفيهم ليرسلهم إلى الناس ، أي لا ليكونوا شركاء . فلا جرم أبطل قوله
الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس جميع مزاعمهم في أصنامهم . فالجملة استئناف ابتدائي . والمناسبة ما علمت .
[ ص: 344 ] وتقديم المسند إليه وهو اسم الجلالة على الخبر الفعلي في قوله
الله يصطفي دون أن يقول : يصطفي ، لإفادة الاختصاص ، أي الله وحده هو الذي يصطفي لا أنتم تصطفون وتنسبون إليه .
والإظهار في مقام الإضمار هنا حيث لم يقل : هو يصطفي من الملائكة رسلا ، لأن اسم الجلالة أصله الإله ، أي الإله المعروف الذي لا إله غيره ، فاشتقاقه مشير إلى أن مسماه جامع كل الصفات العلى تقريرا للقوة الكاملة والعزة القاهرة .
وجملة
إن الله سميع بصير تعليل لمضمون جملة
الله يصطفي لأن المحيط علمه بالأشياء هو الذي يختص بالاصطفاء . وليس لأهل العقول مهما بلغت بهم عقولهم من الفطنة والاختيار أن يطلعوا على خفايا الأمور فيصطفوا للمقامات العليا من قد تخفى عنهم نقائصهم بله اصطفاء الحجارة الصماء .
والسميع البصير : كناية عن عموم العلم بالأشياء بحسب المتعارف في المعلومات أنها لا تعدو المسموعات والمبصرات .