والذين هم عن اللغو معرضون العطف من عطف الصفات لموصوف واحد كقول بعض الشعراء وهو من شواهد النحو :
إلى الملك القرم وابن الهما م وليث الكتيبة في المزدحم
وتكرير الصفات تقوية للثناء عليهم .
والقول في تركيب جملة
هم عن اللغو معرضون كالقول في
هم في صلاتهم خاشعون ، وكذلك تقديم ( عن اللغو ) على متعلقه .
وإعادة اسم الموصول دون اكتفاء بعطف صلة على صلة للإشارة إلى أن كل صفة من الصفات موجبة للفلاح فلا يتوهم أنهم لا يفلحون حتى يجمعوا بين مضامين الصلاة كلها ، ولما في الإظهار في مقام الإضمار من زيادة تقرير للخبر في ذهن السامع .
واللغو : الكلام الباطل . وتقدم في قوله تعالى :
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم في البقرة ، وقوله :
لا يسمعون فيها لغوا في سورة مريم .
[ ص: 11 ] والإعراض : الصد أي : عدم الإقبال على الشيء ، من العرض بضم العين وهو : الجانب ، لأن من يترك الشيء : يوليه جانبه ولا يقبل عليه ، فيشمل الإعراض إعراض السمع عن اللغو . وتقدم عند قوله :
فأعرض عنهم وعظهم في سورة النساء ، وقوله :
وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم في سورة الأنعام ، وأهمه الإعراض عن لغو المشركين عند سماع القرآن
وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون وقال تعالى :
وإذا مروا باللغو مروا كراما . ويشمل الإعراض عن اللغو بالألسنة ، أي : أن يلغوا في كلامهم .
وعقب ذكر الخشوع بذكر الإعراض عن اللغو ; لأن الصلاة في الأصل : الدعاء ، وهو من الأقوال الصالحة ، فكان اللغو مما يخطر بالبال عند ذكر الصلاة بجامع الضدية ، فكان الإعراض عن اللغو بمعنيي الإعراض مما تقتضيه الصلاة والخشوع ; لأن من اعتاد القول الصالح تجنب القول الباطل ومن اعتاد الخشوع لله تجنب قول الزور . وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342201إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم .
والإعراض عن جنس اللغو من خلق الجد ومن تخلق بالجد في شئونه كملت نفسه ولم يصدر منه إلا الأعمال النافعة ، فالجد في الأمور من خلق الإسلام كما أفصح عن ذلك قول
أبي خراش الهذلي بذكر الإسلام .
وعاد الفتى كالكهل ليس بـقـائل سوى العدل شيئا فاستراح العواذل
والإعراض عنه يقتضي بالأولى اجتناب قول اللغو ويقتضي تجنب مجالس أهله .
واعلم أن هذا أدب عظيم من آداب المعاملة مع بعض الناس وهم الطبقة غير المحترمة ; لأن أهل اللغو ليسوا بمرتبة التوقير فالإعراض عن لغوهم ربء عن التسفل معهم .