[ ص: 12 ] والذين هم للزكاة فاعلون أصل الزكاة أنها اسم مصدر ( زكى ) المشدد ، إذا طهر النفس من المذمات . ثم أطلقت على إنفاق المال لوجه الله مجازا ; لأن القصد من ذلك المال تزكية النفس ، أو لأن ذلك يزيد في مال المعطي . فأطلق اسم المسبب على السبب .
وأصله قوله تعالى :
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها . وأطلقت على نفس المال المنفق من إطلاق اسم المصدر على المفعول ; لأنه حاصل به وهو المتعين هنا بقرينة تعليقه بـ ( فاعلون ) المقتضي أن الزكاة مفعول . وأما المصدر المتعين فلا يكون مفعولا به لفعل من مادة ( ف . ع . ل ) ; لأن صوغ الفعل من مادة ذلك المصدر يغني عن الإتيان بفعل مبهم ونصب مصدره على المفعولية به . فلو قال أحد : فعلت مشيا ، إذا أراد أن يقول : مشيت ، كان خارجا عن تركيب العربية ولو كان مفيدا . ولو قال أحد : فعلت مما تريده ، لصح التركيب ، قال تعالى :
من فعل هذا بآلهتنا ، أي : هذا المشاهد من الكسر والحطم ، أي : هذا الحاصل بالمصدر . وليس المراد المصدر ; لأنه لا يشار إليه ولا سيما بعد غيبة فاعله .
والمراد بالفعل هنا : الفعل المناسب لهذا المفعول وهو الإيتاء ، فهو كقوله : ويؤتون الزكاة فلا حاجة إلى تقدير أداء الزكاة .
وإنما أوثر هنا الاسم الأعم وهو فاعلون ; لأن مادة ( ف . ع . ل ) مشتهرة في إسداء المعروف . واشتق منها الفعال بفتح الفاء ، قال
محمد بن بشير الخارجي :
إن تنفق المال أو تكلف مساعيه يشقق عليك وتفعل دون ما فعلا
وعلى هذا الاعتبار جاء ما نسب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12467أمية بن أبي الصلت :
المطعمون الطعام في السنة الأز مة والفاعلـون لـلـزكوات
أنشده في الكشاف . وفي نفسي من صحة نسبته تردد لأني أحسب استعمال الزكاة في معنى المال المبذول لوجه الله إلا من مصطلحات القرآن
[ ص: 13 ] فلعل البيت مما نحل من الشعر على ألسنة الشعراء . قال
ابن قتيبة في كتاب الشعر والشعراء : وعلماؤنا لا يرون شعر
أمية حجة على الكتاب .
واللام على هذا الوجه لام التقوية لضعف العامل بالفرعية وبالتأخير عن معموله .
وقال
أبو مسلم والراغب : اللام للتعليل وجعلا الزكاة تزكية النفس . ومعنى ( فاعلون ) فاعلون الأفعال الصالحات فحذف معمول ( فاعلون ) بدلالة علته عليه .
وفي الكشاف أن الزكاة هنا مصدر وهو فعل المزكي ، أي : إعطاء الزكاة وهو الذي يحسن أن يتعلق بـ ( فاعلون ) ; لأنه ما من مصدر إلا ويعبر عن معناه بمادة فعل ، فيقال للضارب : فاعل الضرب ، وللقاتل : فاعل القتل . وإنما حاول بذلك إقامة تفسير الآية فغلب جانب الصناعة اللفظية على جانب المعنى وجوز الوجه الآخر على شرط تقدير مضاف ، وكلا الاعتبارين غير ملتزم .
وعقب ذكر الصلاة بذكر الزكاة لكثرة التآخي بينهما في آيات القرآن ، وإنما فصل بينهما هنا بالإعراض عن اللغو للمناسبة التي سمعت آنفا .
وهذا من آداب المعاملة مع طبقة أهل الخصاصة وهي ترجع إلى آداب التصرف في المال . والقول في إعادة الموصول وتقديم المعمول كما تقدم آنفا .