والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون الحفظ : الصيانة والإمساك . وحفظ الفرج معلوم ، أي : عن الوطء . والاستثناء في قوله : إلا على أزواجهم إلخ . استثناء من عموم متعلقات الحفظ التي دل عليها حرف ( على ) ، أي : حافظونها على كل ما يحفظ عليه إلا المتعلق الذي هو
[ ص: 14 ] أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ، فضمن ( حافظون ) معنى عدم البذل ، يقال : احفظ علي عنان فرسي كما يقال : أمسك علي كما في آية
أمسك عليك زوجك . والمراد : حل الصنفين من بين بقية أصناف النساء . وهذا مجمل تبينه تفاصيل الأحكام في عدد الزوجات وما يحل منهن بمفرده أو الجمع بينه . وتفاصيل الأحوال من حال حل الانتفاع أو حال عدة فذلك كله معلوم للمخاطبين . وكذلك في الإماء .
والتعبير عن الإماء باسم ( ما ) الموصولة الغالب استعمالها لغير العاقل جرى على خلاف الغالب ، وهو استعمال كثير لا يحتاج معه إلى تأويل .
وقوله :
فإنهم غير ملومين تصريح بزائد على حكم مفهوم الاستثناء ; لأن الاستثناء لم يدل على أكثر من كون عدم الحفظ على الأزواج والمملوكات لا يمنع الفلاح ، فأريد زيادة بيان أنه أيضا لا يوجب اللوم الشرعي ، فيدل هذا بالمفهوم على أن عدم الحفظ على من سواهن يوجب اللوم الشرعي ليحذره المؤمنون .
والفاء في قوله : (
فإنهم غير ملومين ) تفريع للتصريح على مفهوم الاستثناء الذي هو في قوة الشرط فأشبه التفريع عليه جواب الشرط فقرئ بالفاء تحقيقا للاشتراط .
وزيد ذلك التحذير تقريرا بأن فرع عليه
فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ; لأن داعية غلبة شهوة الفرج على حفظ صاحبه إياه غريزة طبيعية يخشى أن تتغلب على حافظها ، فالإشارة بذلك إلى المذكور في قوله :
إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم أي : وراء الأزواج والمملوكات ، أي : غير ذينك الصنفين .
وذكر حفظ الفرج هنا عطفا على الإعراض عن اللغو ; لأن من الإعراض عن اللغو ترك اللغو بالأحرى كما تقدم آنفا ; لأن زلة الصالح قد تأتيه من انفلات أحد هذين العضوين من جهة ما أودع في الجبلة من شهوة استعمالهما
[ ص: 15 ] فلذلك ضبطت الشريعة استعمالهما بأن يكون في الأمور الصالحة التي أرشدت إليها الديانة . وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342202من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة .
واللوم : الإنكار على الغير ما صدر منه من فعل أو قول لا يليق عند الملائم ، وهو مرادف العذل وأضعف من التعنيف .
و ( وراء ) منصوب على المفعول به . وأصل الوراء : اسم المكان الذي في جهة الظهر ، ويطلق على الشيء الخارج عن الحد المحدود تشبيها للمتجاوز الشيء بشيء موضوع خلف ظهر ذلك الشيء ; لأن ما كان من أعلاق الشخص يجعل بين يديه وبمرأى منه ، وما كان غير ذلك ينبذ وراء الظهر ، وهذا التخيل شاع عنه هذا الإطلاق بحيث يقال : هو وراء الحد ، ولو كان مستقبله . ثم توسع فيه فصار بمعنى : ( غير ) أو ( ما عدا ) كما هنا ، أي : فمن ابتغوا بفروجهم شيئا غير الأزواج وما ملكت أيمانهم .
وأتي لهم باسم الإشارة في قوله :
فأولئك هم العادون لزيادة تمييزهم بهذه الخصلة الذميمة ليكون وصفهم بالعدوان مشهورا مقررا كقوله تعالى :
وأولئك هم المتقون في سورة البقرة . والعادي هو : المعتدي ، أي : الظالم لأنه عدا على الأمر .
وتوسيط ضمير الفصل لتقوية الحكم ، أي : هم البالغون غاية العدوان على الحدود الشرعية .
والقول في إعادة الموصول وتقديم المعمول كما مر .