إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين لما ذكر هذه القصة العظيمة أعقبها بالتنبيه إلى موضع العبرة منها للمسلمين فأتى بهذا الاستئناف لذلك .
والإشارة إلى ما ذكر من قصة
نوح مع قومه وما فيها . والآيات : الدلالات ، أي : لآيات كثيرة منها ما هي دلائل على صدق رسالة
نوح وهي إجابة دعوته وتصديق رسالته وإهلاك مكذبيه ، ومنها آيات لأمثال قوم
نوح من الأمم المكذبين لرسلهم ، ومنها آيات على
عظيم قدرة الله تعالى في إحداث الطوفان وإنزال من في السفينة منزلا مباركا ، ومنها آيات على علم الله تعالى وحكمته إذ قدر لتطهير الأرض من الشرك مثل هذا الاستيصال العام لأهله ، وإذ قدر لإبقاء الأنواع مثل هذا الصنع الذي أنجى به من كل نوع زوجين ليعاد التناسل .
وعطف على جملة
إن في ذلك لآيات جملة
وإن كنا لمبتلين ; لأن مضمون "
وإن كنا لمبتلين " يفيد معنى : إن في ذلك لبلوى ، فكأنه قيل : إن في ذلك لآيات وابتلاء ، وكنا مبتلين أي : وشأننا ابتلاء أوليائنا . فإن الابتلاء من آثار الحكمة الإلهية لترتاض به نفوس أوليائه وتظهر مغالبتها للدواعي الشيطانية فتحمد عواقب البلوى ، ولتتخبط نفوس المعاندين وينزوي بعض شرها زمانا .
والمعنى : أن ما تقدم قبل الطوفان من بعد بعثة
نوح من تكذيب قومه وأذاهم إياه والمؤمنين معه إنما كان ابتلاء من الله لحكمته تعالى ليميز
[ ص: 49 ] الله للناس الخبيث من الطيب ولو شاء الله لآمن
بنوح قومه ثم لو شاء الله لنصره عليهم من أول يوم وهذه سنة إلهية . وفي هذا المعنى ما جاء في حديث
أبي سفيان أن
هرقل قال له : وكذلك الأنبياء تبتلى ثم تكون لهم العاقبة . وفي القرآن
والعاقبة للمتقين .
والابتلاء تقدم في قوله تعالى :
وإذ ابتلى إبراهيم ربه ، وقوله :
وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم في سورة البقرة .
وفي قوله :
وإن كنا لمبتلين تسلية للنبيء
محمد صلى الله عليه وسلم على ما يلقاه من المشركين ، وتعريض بتهديد المشركين بأن ما يواجهون به الرسول صلى الله عليه وسلم لا بقاء له وإنما هو بلوى تزول عنه وتحل بهم ولكل حظ يناسبه .
ولكون هذا مما قد يغيب عن الألباب نزل منزلة الشيء المتردد فيه فأكد بـ ( إن ) المخففة وبفعل ( كنا ) .
واللام هي الفارقة بين ( إن ) المؤكدة المخففة عند إهمال عملها وبين ( إن ) النافية .