فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين [ ص: 59 ] تقتضي الفاء تعجيل إجابة دعوة رسولهم .
والأخذ مستعار للإهلاك .
والصيحة : صوت الصاعقة ، وهذا يرجح أو يعين أن يكون هؤلاء القرن هم
ثمود قال تعالى :
فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وقال في شأنهم في سورة الحجر :
فأخذتهم الصيحة مصبحين .
وإسناد الأخذ إلى الصيحة مجاز عقلي ; لأن الصيحة سبب الأخذ أو مقارنة سببه فإنها تحصل من تمزق كرة الهواء عند نزول الصاعقة .
والباء في ( بالحق ) للملابسة ، أي : أخذتهم أخذا ملابسا للحق ، أي : لا اعتداء فيه عليهم ; لأنهم استحقوه بظلمهم . والغثاء : ما يحمله السيل من الأعواد اليابسة والورق . والكلام على التشبيه البليغ للهيئة فهو تشبيه حالة بحالة ، أي : جعلناهم كالغثاء في البلى والتكدس في موضع واحد فهلكوا هلكة واحدة .
وفرع على حكاية تكذيبهم دعاء عليهم وعلى أمثالهم دعاء شتم وتحقير بأن يبعدوا تحقيرا لهم وكراهية ، وليس مستعملا في حقيقة الدعاء ; لأن هؤلاء بعدوا بالهلاك . وانتصب ( بعدا ) على المفعولية المطلقة بدلا من فعله مثل : تبا وسحقا ، أي : أتبه الله وأسحقه .
وعكس هذا المعنى قول العرب : لا تبعد ( بفتح العين ) أي : لا تفقد . قال
مالك بن الريب :
يقولون لا تبعد وهم يدفنوني وأين مكان البعد إلا مكانيا
والمراد بالقوم الظالمين : الكافرون
إن الشرك لظلم عظيم . واختير هذا الوصف هنا ; لأن هؤلاء ظلموا أنفسهم بالإشراك وظلموا
هودا ; لأنه تعمد الكذب على الله إذ قالوا :
إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا .
والتعريف في ( الظالمين ) للاستغراق فشملهم ، ولذلك تكون الجملة بمنزلة التذييل .
[ ص: 60 ] واللام في (
للقوم الظالمين ) للتبيين وهي مبينة للمقصود بالدعاء زيادة في البيان كما في قولهم : سحقا لك وتبا له ، فإنه لو قيل : فبعدا ، لعلم أنه دعاء عليه فبزيادة اللام يزيد بيان المدعو عليهم وهي متعلقة بمحذوف مستأنف للبيان .