وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين
لما كانت آية
عيسى العظمى في ذاته في كيفية تكوينه كان الاهتمام بذكرها هنا ، ولم تذكر رسالته ; لأن معجزة تخليقه دالة على صدق رسالته . وأما قوله : (
وأمه ) فهو إدماج لتسفيه
اليهود فيما رموا به
مريم عليها السلام فإن ما جعله الله آية لها ولابنها جعلوه مطعنا ومغمزا فيهما .
[ ص: 67 ] وتنكير ( آية ) للتعظيم ; لأنها آية تحتوي على آيات . ولما كان مجموعها دالا على صدق
عيسى في رسالته جعل مجموعها آية عظيمة على صدقه كما علمت .
وأما قوله :
وآويناهما إلى ربوة فهو تنويه بهما إذ جعلهما الله محل عنايته ومظهر قدرته ولطفه .
والإيواء : جعل الغير آويا ، أي : ساكنا . وتقدم عند قوله :
أو آوي إلى ركن شديد في سورة هود وعند قوله :
سآوي إلى جبل يعصمني من الماء في سورة هود .
والربوة بضم الراء : المرتفع من الأرض . ويجوز في الراء الحركات الثلاث . وتقدم في قوله تعالى :
كمثل جنة بربوة في البقرة . والمراد بهذا الإيواء وحي الله
لمريم أن تنفرد بربوة حين اقترب مخاضها لتلد
عيسى في منعزل من الناس حفظا
لعيسى من أذاهم .
والقرار : المكث في المكان ، أي : هي صالحة لأن تكون قرارا ، فأضيفت الربوة إلى المعنى الحاصل فيها لأدنى ملابسة وذلك بما اشتملت عليه من النخيل المثمر فتكون في ظله ولا تحتاج إلى طلب قوتها .
والمعين : الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض ، وهو وصف جرى على موصوف محذوف ، أي : ماء معين ، لدلالة الوصف عليه كقوله :
حملناكم في الجارية . وهذا في معنى قوله في سورة مريم :
قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا .