وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون
أعقب تنزيه الرسول عما افتروه عليه بتنزيه الإسلام عما سموه به من الأباطيل والتنزيه بإثبات ضد ذلك وهو أنه صراط مستقيم ، أي : طريق لا التواء فيه ولا عقبات ، فالكلام تعريض بالذين اعتقدوا خلاف ذلك . وإطلاق الصراط المستقيم عليه من حيث إنه موصل إلى ما يتطلبه كل عاقل من النجاة وحصول الخير ، فكما أن السائر إلى طلبته لا يبلغها إلا بطريق ، ولا يكون بلوغه مضمونا ميسورا إلا إذا كان الطريق مستقيما فالنبيء صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى الإسلام دعاهم إلى السير في طريق موصل بلا عناء .
والتأكيد بـ ( إن ) واللام باعتبار أنه مسوق للتعريض بالمنكرين على ما دعاهم إليه النبيء صلى الله عليه وسلم .
وكذلك التوكيد في قوله :
وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون . والتعبير فيه بالموصول ، وصلته إظهار في مقام الإضمار حيث عدل عن أن يقول : وإنهم عن الصراط لناكبون . والغرض منه ما تنبئ به الصلة من سبب تنكبهم عن الصراط المستقيم أن سببه عدم إيمانهم بالآخرة .
وتقدم قوله تعالى :
قال هذا صراط علي مستقيم في سورة الحجر .
[ ص: 99 ] والتعريف في ( الصراط ) أي : هم ناكبون عن الصراط من حيث هو ، حيث لم يتطلبوا طريق نجاة فهم ناكبون عن الطريق بله الطريق المستقيم ولذلك لم يكن التعريف في قوله :
عن الصراط للعهد بالصراط المذكور ; لأن تعريف الجنس أتم في نسبتهم إلى الضلال بقرينة أنهم لا يؤمنون بالآخرة التي هي غاية العامل من عمله فهم إذن ناكبون عن كل صراط موصل إذ لا همة لهم في الوصول .
والناكب : العادل عن شيء ، المعرض عنه ، وفعله كنصر وفرح . وكأنه مشتق من المنكب وهو جانب الكتف ; لأن العادل عن شيء يولي وجهه عنه بجانبه .