[ ص: 166 ] وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين
عطف على قوله
عليكم الصيام والمعطوف بعض المعطوف عليه فهو في المعنى كبدل البعض ؛ أي : وكتب على الذين يطيقونه فدية ؛ فإن الذين يطيقونه بعض المخاطبين بقوله :
كتب عليكم الصيام .
والمطيق هو الذي أطاق الفعل ؛ أي : كان في طوقه أن يفعله ، والطاقة أقرب درجات القدرة إلى مرتبة العجز ، ولذلك يقولون فيما فوق الطاقة : هذا ما لا يطاق ، وفسرها
الفراء بالجهد - بفتح الجيم - وهو المشقة ، وفي بعض روايات صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قرأ : ( وعلى الذين يطوقونه فلا يطيقونه ) وهي تفسير فيما أحسب ، وقد صدر منه نظائر من هذه القراءة ، وقيل : الطاقة القدرة مطلقا .
فعلى تفسير الإطاقة بالجهد ، فالآية مراد منها
الرخصة على من تشتد به مشقة الصوم في الإفطار والفدية .
وقد سموا من هؤلاء
الشيخ الهرم والمرأة المرضع والحامل ، فهؤلاء يفطرون ويطعمون عن كل يوم يفطرونه ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي وهو مذهب
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، ثم من استطاع منهم القضاء قضى ومن لم يستطعه لم يقض مثل الهرم ، ووافق
أبو حنيفة في الفطر ؛ إلا أنه لم ير الفدية إلا على الهرم ؛ لأنه لا يقضي بخلاف الحامل والمرضع ، ومرجع الاختلاف إلى أن قوله تعالى :
وعلى الذين يطيقونه فدية هل هي لأجل الفطر أم لأجل سقوط القضاء ؟ والآية تحتملهما إلا أنها في الأول أظهر ، ويؤيد ذلك فعل السلف ، فقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك حين هرم وبلغ عشرا بعد المائة يفطر ويطعم لكل يوم مسكينا خبزا ولحما .
وعلى تفسير الطاقة بالقدرة فالآية تدل على أن الذي يقدر على الصوم له أن يعوضه بالإطعام ، ولما كان هذا الحكم غير مستمر بالإجماع قالوا في حمل الآية عليه : إنها حينئذ تضمنت حكما كان فيه توسعة ورخصة ثم انعقد الإجماع على نسخه ، وذكر أهل الناسخ والمنسوخ أن ذلك فرض في أول الإسلام لما شق عليهم الصوم ثم نسخ بقوله تعالى :
فمن شهد منكم الشهر فليصمه ونقل ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=119وسلمة بن الأكوع [ ص: 167 ] نسختها آية
شهر رمضان ثم أخرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى قال : حدثنا أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم : نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم من يطيقه ، ورخص لهم في ذلك ، فنسختها
وأن تصوموا خير لكم ، ورويت في ذلك آثار كثيرة عن التابعين ، وهو الأقرب من
عادة الشارع في تدرج تشريع التكاليف التي فيها مشقة على الناس من تغيير معتادهم كما تدرج في تشريع منع الخمر ، ونلحق بالهرم والمرضع والحامل
كل من تلحقه مشقة أو توقع ضر مثلهم ، وذلك يختلف باختلاف الأمزجة واختلاف أزمان الصوم من اعتدال أو شدة برد أو حر ، وباختلاف أعمال الصائم التي يعملها لاكتسابه من الصنائع
كالصائغ والحداد والحمامي وخدمة الأرض وسير البريد وحمل الأمتعة وتعبيد الطرقات والظئر .
وقد فسرت الفدية بالإطعام إما بإضافة المبين إلى بيانه كما قرأ
نافع وابن ذكوان عن
ابن عامر وأبو جعفر : ( فدية طعام مساكين ) بإضافة فدية إلى طعام ، وقرأه الباقون بتنوين " فدية " وإبدال " طعام " من " فدية " .
وقرأ
نافع وابن عامر وأبو جعفر : ( مساكين ) بصيغة الجمع - جمع مسكين - وقرأه الباقون بصيغة المفرد ، والإجماع على أن
الواجب إطعام مسكين ، فقراءة الجمع مبنية على اعتبار جمع الذين يطيقونه من مقابلة الجمع بالجمع ، مثل : ركب الناس دوابهم ، وقراءة الإفراد اعتبار بالواجب على آحاد المفطرين .
والإطعام هو ما يشبع عادة من الطعام المتغذى به في البلد ، وقدره فقهاء
المدينة مدا بمد النبيء صلى الله عليه وسلم من بر أو شعير أو تمر .