يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم
بعد أن بين الله تعالى ما في خبر الإفك من تبعات لحق بسببها للذين جاءوا به والذين تقبلوه عديد التوبيخ والتهديد ، وافتضاح للذين روجوه
[ ص: 182 ] وخيبة مختلقة بنقيض قصدهم ، وانتفاع للمؤمنين بذلك ، وبين بادئ ذي بدء أنه لا يحسب شرا لهم بل هو خير لهم ، وأن الذين جاءوا به ما اكتسبوا به إلا إثما ، وما لحق المسلمين به ضر ، ونعى على المؤمنين تهاونهم وغفلتهم عن سوء نية مختلقيه ، وكيف ذهلوا عن ظن الخير بمن لا يعلمون منها إلا خيرا فلم يفندوا الخبر ، وأنهم اقتحموا بذلك ما يكون سببا للحاق العذاب بهم في الدنيا والآخرة ، وكيف حسبوه أمرا هينا وهو عند الله عظيم ، ولو تأملوا لعلموا عظمه عند الله ، وسكوتهم عن تغيير هذا; أعقب ذلك كله بتحذير المؤمنين من العود إلى مثله من المجازفة في التلقي ، ومن الاندفاع وراء كل ساع دون تثبت في مواطئ الأقدام ، ودون تبصر في عواقب الإقدام .
والوعظ : الكلام الذي يطلب به تجنب المخاطب به أمرا قبيحا . وتقدم في آخر سورة النحل .
وفعل ( يعظكم ) لا يتعدى إلى مفعول ثان بنفسه ، فالمصدر المأخوذ من ( أن تعودوا ) لا يكون معمولا لفعل ( يعظكم ) إلا بتقدير شيء محذوف ، أو بتضمين فعل الوعظ معنى فعل متعد ، أو بتقدير حرف جر محذوف ، فلك أن تضمن فعل ( يعظكم ) معنى التحذير . فالتقدير : يحذركم من العود لمثله ، أو يقدر : يعظكم الله في العود لمثله ، أو يقدر حرف نفي ، أي أن لا تعودوا لمثله ، وحذف حرف النفي كثير إذا دل عليه السياق ، وعلى كل الوجوه يكون في الكلام إيجاز .
والأبد : الزمان المستقبل كله ، والغالب أن يكون ظرفا للنفي .
وقوله :
إن كنتم مؤمنين تهييج وإلهاب لهم يبعث حرصهم على أن لا يعودوا لمثله ; لأنهم حريصون على إثبات إيمانهم ، فالشرط في مثل هذا لا يقصد بالتعليق ، إذ ليس المعنى : إن لم تكونوا مؤمنين فعودوا لمثله ، ولكن لما كان احتمال حصول مفهوم الشرط مجتنبا كان في ذكر الشرط بعث على الامتثال ، فلو تكلم أحد في الإفك بعد هذه الآية معتقدا وقوعه
[ ص: 183 ] فمقتضى الشرط أنه يكون كافرا وبذلك قال
مالك . قال
ابن العربي : قال
nindex.php?page=showalam&ids=17246هشام بن عمار : ( سمعت
مالكا يقول : من سب
أبا بكر وعمر أدب ومن سب
عائشة قتل ; لأن الله يقول :
يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين فمن سب
عائشة فقد خالف القرآن ومن خالف القرآن قتل ) اهـ . يريد بالمخالفة إنكار ما جاء به القرآن نصا وهو يرى أن المراد بالعود لمثله في قضية الإفك ; لأن الله برأها بنصوص لا تقبل التأويل ، وتواتر أنها نزلت في شأن
عائشة . وذكر
ابن العربي عن الشافعية أن ذلك ليس بكفر . وأما السب بغير ذلك فهو مساو لسب غيرها من أصحاب النبيء صلى الله عليه وسلم .
ويبين الله لكم الآيات أي يجعلها لكم واضحة الدلالة على المقصود . والآيات : آيات القرآن النازلة في عقوبة القذف وموعظة الغافلين عن المحرمات .
ومناسبة التذكير بصفتي العلم والحكمة ظاهرة .