يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا .
استئناف ثان جواب عن مقالتهم ، فبعد إبداء التعجيب منها عقب بوعيد لهم فيه حصول بعض ما طلبوا حصوله الآن ، أي هم سيرون الملائكة ، ولكنها رؤية تسوءهم حين يرون زبانية العذاب يسوقونهم إلى النار ، ففي هذا الاستئناف تمليح وتهكم بهم ؛ لأن ابتداءه مطمع بالاستجابة ، وآخره مؤيس بالوعيد ، فالكلام جرى
[ ص: 7 ] على طريقة الغيبة ؛ لأنه حكاية عن توركهم ، والمقصود إبلاغه لهم حين يسمعونه . وانتصب ( يوم يرون ) على الظرفية لـ ( لا بشرى ) . وتقديم الظرف للاهتمام به لإثارة الطمع وللتشويق إلى تعيين إبانه حتى إذا ورد ما فيه خيبة طمعهم كان له وقع الكآبة على نفوسهم حينما يسمعونه .
وإعادة ( يومئذ ) تأكيد .
وذكر وصف المجرمين إظهار في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بأنهم مجرمون بعد أن وصفوا بالكفر والظلم واليأس من لقاء الله . وانتفاء البشرى مستعمل في إثبات ضده وهو الحزن .
و ( حجر ) بكسر الحاء وسكون الجيم ، ويقال بفتح الحاء وضمها على الندرة فهي كلمة يقولونها عند رؤية ما يخاف من إصابته بمنزلة الاستعاذة . قال
الخليل ،
وأبو عبيدة : كان الرجل إذا رأى الرجل الذي يخاف منه أن يقتله في الأشهر الحرم يقول له : حجرا محجورا ، أي حرام قتلي ، وهي عوذة .
و ( حجر ) : مصدر حجره ، إذا منعه قال تعالى : وحرث حجر ، وهو في هذا الاستعمال لازم النصب على المفعول المطلق المنصوب بفعل مضمر مثل : معاذ الله ، وأما رفعه في قول الراجز :
قال فيها حيدة وذعـر عوذ بربي منكم وحجر
فهو تصرف فيه ، ولعله عند
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ضرورة ؛ لأنه لم يذكر الرفع في استعمال هذه الكلمات في هذا الغرض وهو الذي حكاه الراجز . وأما رفع ( حجر ) في غير حالة استعماله للتعوذ فلا مانع منه ؛ لأنه الأصل ، وقد جاء في القرآن منصوبا لا على المفعولية المطلقة في قوله تعالى : (
وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا ) ، فإنه معطوف على مفعول ( جعل ) وسننبه عليه قريبا .
و ( محجورا ) وصف لـ ( حجرا ) مشتق من مادته للدلالة على تمكن المعنى المشتق منه كما قالوا : ليل أليل . وذيل ذائل ، وشعر شاعر .