[ ص: 8 ] وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا .
كانوا في الجاهلية يعدون الأعمال الصالحة مجلبة لخير الدنيا ؛ لأنها ترضي الله تعالى فيجازيهم بنعم في الدنيا ؛ إذ كانوا لا يؤمنون بالبعث ، وقد قالت
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة للنبيء صلى الله عليه وسلم حين تحير في أمر ما بدأه من الوحي وقال لها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342254لقد خشيت على نفسي . فقالت : والله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق . فالظاهر أن المشركين إذا سمعوا آيات الوعيد يقولون في أنفسهم : لئن كان البعث حقا لنجدن أعمالا عملناها من البر تكون سببا لنجاتنا ، فعلم الله ما في نفوسهم فأخبر بأن أعمالهم تكون كالعدم يومئذ .
والقدوم مستعمل في معنى العمد والإرادة ، وأفعال المشي والمجيء ، تجيء في الاستعمال لمعاني القصد والعزم والشروع مثل : قام يفعل ، وذهب يقول ، وأقبل ، ونحوها . وأصل ذلك ناشئ عن تمثيل حال العامد إلى فعل باهتمام بحال من يمشي إليه ، فموقعه في الكلام أرشق من أن يقول : وعمدناه ، أو أردنا إلى ما عملوا .
و ( من ) في قوله : ( من عمل ) بيانية لإبهام ( ما ) ، وتنكير ( عمل ) للنوعية ، والمراد به عمل الخير ، أي : إلى ما عملوه من جنس عمل الخير .
والهباء : كائنات جسمية دقيقة لا ترى إلا في أشعة الشمس المنحصرة في كوة ونحوها ، تلوح كأنها سابحة في الهواء وهي أدق من الغبار ، أي فجعلناه كهباء منثور ، وهو تشبيه لأعمالهم في عدم الانتفاع بها مع كونها موجودة بالهباء في عدم إمساكه مع كونه موجودا ، وهذا تشبيه بليغ وهو هنا رشيق . ونظيره قوله تعالى : (
وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا ) .
والمنثور : غير المنتظم ، وهو وصف كاشف ؛ لأن الهباء لا يكون إلا منثورا ، فذكر هذا الوصف للإشارة إلى ما في الهباء من الحقارة ومن التفرق .