وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما .
عطف على جملة (
ولقد آتينا موسى الكتاب ) باعتبار أن المقصود وصف قومه بالتكذيب والإخبار بالتدمير .
وانتصب ( قوم
نوح ) بفعل محذوف يفسره ( أغرقناهم ) على طريقة الاشتغال . ولا يضر الفصل بكلمة ( لما ) ؛ لأنها كالظرف ، وجوابها محذوف دل عليه مفسر الفعل المحذوف . وفي هذا النظم اهتمام بقوم
نوح ؛ لأن حالهم هو محل العبرة فقدم ذكرهم ثم أكد بضميرهم .
ويجوز أن يكون ( قوم
نوح ) عطفا على ضمير النصب في قوله : ( فدمرناهم ) أي ودمرنا قوم
نوح ، وتكون جملة (
لما كذبوا الرسل أغرقناهم ) مبينة لجملة ( دمرناهم ) .
والآية : الدليل ، أي : جعلناهم دليلا على مصير الذين يكذبون رسلهم . وجعلهم آية : هو تواتر خبرهم بالغرق آية .
وجعل قوم نوح مكذبين الرسل مع أنهم كذبوا رسولا واحدا ؛ لأنهم استندوا في تكذيبهم رسولهم إلى إحالة أن يرسل الله بشرا ؛ لأنهم قالوا
[ ص: 27 ] (
ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ) فكان تكذيبهم مستلزما تكذيب عموم الرسل ، ولأنهم أول من كذب رسولهم ، فكانوا قدوة للمكذبين من بعدهم .
وقصة قوم
نوح تقدمت في سورة الأعراف وسورة
هود .
وجملة (
وأعتدنا للظالمين عذابا أليما ) عطف على ( أغرقناهم ) . والمعنى : عذبناهم في الدنيا بالغرق وأعتدنا لهم عذابا أليما في الآخرة . ووقع الإظهار في مقام الإضمار فقيل ( للظالمين ) عوضا عن : أعتدنا لهم ، لإفادة أن عذابهم جزاء على ظلمهم بالشرك وتكذيب الرسول .