ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا .
الواو للحال ، وهذا مستعمل في التعجيب من استمرارهم في الشرك ، أعقب ذكر ما نفع الله به الناس من إلطافه بهم في تصاريف الكائنات إذ جعل لهم الليل والنهار ، وخلق لهم الماء فأنبت به الزرع وسقى به الناس والأنعام ، مع ما قارنه من دلائل القدرة بذكر عبادتهم ما لا ينفع الناس عودا إلى حكاية شيء من أحوال مشركي مكة .
ونفي الضر بعد نفي النفع للتنبيه على انتفاء شبهة عبدة الأصنام في شركهم ؛ لأن
موجب العبادة إما رجاء النفع وإما اتقاء ضر المعبود ، وكلاهما منتف عن الأصنام بالمشاهدة .
والتعبير بالفعل المضارع للدلالة على تجدد عبادتهم الأصنام وعدم إجداء الدلائل المقلعة عنها في جانبهم .
وجملة (
وكان الكافر على ربه ظهيرا ) تذييل لما قبله ، فاللام في تعريف ( الكافر ) للاستغراق ، أي : كل كافر على ربه ظهير .
[ ص: 57 ] وجعل الخبر عن الكافر خبرا لـ ( كان ) للدلالة على أن اتصافه بالخبر أمر متقرر معتاد من كل كافر .
والظهير : المظاهر ، أي : المعين ، وتقدم في قوله تعالى : (
ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) في سورة الإسراء وهو فعيل بمعنى مفاعل ، أي : مظاهر مثل حكيم بمعنى محكم ، وعوين بمعنى معاون . وقول
عمر بن معدي كرب :
أمن ريحانة الداعي السميع
أي : المسمع . قال في الكشاف : ( ومجيء فعيل بمعنى مفاعل غير عزيز ) . وهو مشتق من : ظاهر عليه ، إذا أعان من يغالبه على غلبه ، وأصله الأصيل مشتق من اسم جامد ، وهو اسم الظهر من الإنسان أو الدابة ؛ لأن المعاون أحدا على غلب غيره كأنه يحمل الغالب على المغلوب كما يحمل على ظهر الحامل ، جعل المشرك في إشراكه مع وضوح دلالة عدم استئهال الأصنام للإلهية كأنه ينصر الأصنام على ربه الحق . وفي ذكر الرب تعريض بأن الكافر عاق لمولاه . وعن
أبي عبيدة : ظهير بمعنى مظهور ، أي : كفر الكافر هين على الله ، يعني أي : فعيلا فيه بمعنى مفعول ، أي : مظهور عليه ، وعلى هذا يكون ( على ) متعلقا بفعل ( كان ) أي : كان على الله هينا .