تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا .
استئناف ابتدائي جعل تمهيدا لقوله : (
وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ) الآيات التي هي محصول الدعامة الثالثة من الدعائم الثلاث التي أقيم عليها بناء هذه السورة ، وافتتحت كل دعامة منها بـ ( تبارك الذي . . . ) إلخ كما تقدم في
[ ص: 64 ] صدر السورة . وافتتح ذلك بإنشاء الثناء على الله بالبركة والخير لما جعله للخلق من المنافع . وتقدم ( تبارك ) أول السورة وفي قوله : (
تبارك الله رب العالمين ) في الأعراف .
والبروج : منازل مرور الشمس فيما يرى الراصدون . وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : (
ولقد جعلنا في السماء بروجا ) في أول سورة الحجر .
والامتنان بها ؛ لأن الناس يوقتون بها أزمانهم .
وقرأ الجمهور ( سراجا ) بصيغة المفرد . والسراج : الشمس كقوله : (
وجعل الشمس سراجا ) في سورة نوح . ومناسبة ذلك لما يرد بعده من قوله : (
وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة ) .
وقرأ
حمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ( سرجا ) بضم السين والراء جمع سراج فيشمل مع الشمس النجوم ، فيكون امتنانا بحسن منظرها للناس كقوله : (
ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ) . والامتنان بمحاسن المخلوقات وارد في القرآن قال تعالى : (
ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ) . (
والكلام جار على التشبيه البليغ ؛ لأن حقيقة السراج : المصباح الزاهر الضياء . والمقصود : أنه
جعل الشمس مزيلة للظلمة كالسراج ، أو خلق النجوم كالسراج في التلألؤ وحسن المنظر .
ودلالة خلق البروج والشمس والقمر على عظيم القدرة دلالة بينة للعاقل ، وكذلك دلالته على دقيق الصنع ونظامه بحيث لا يختل ولا يختلف حتى تسنى للناس رصد أحوالها وإناطة حسابهم بها .