قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون .
حكي كلام
موسى في ذلك الجمع بإعادة فعل ( قال ) مفصولا بطريقة حكاية
[ ص: 127 ] المحاورات ؛ لأنه كان المقصود بالمحاورة إذ هم حضروا لأجله .
ووقع في سورة الأعراف (
قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا ) ، واختصر هنا تخييرهم
موسى في الابتداء بالأعمال ، وقد تقدم بيانه هناك ، فقول
موسى لهم : ( ألقوا ) المحكي هنا هو أمر لمجرد كونهم المبتدئين بالإلقاء لتعقبه إبطال سحرهم بما سيلقيه
موسى ، كما يقول صاحب الجدل في علم الكلام للملحد : قرر شبهتك ، وهو يريد أن يدحضها له . وهذا
عضد الدين في كتاب المواقف يذكر شبه أهل الزيغ والضلال قبل ذكر الأدلة الناقضة لها . وتقدم الإلقاء آنفا . وذكر هنا مفعول ( ألقوا ) واختصر في سورة الأعراف .
وفي كلام
موسى - عليه السلام - استخفاف بما سيلقونه ؛ لأنه عبر عنه بصيغة العموم ، أي ما تستطيعون إلقاءه . وتقدم الكلام على الحبال والعصي في السحر عند الكلام على مثل هذه القصة في سورة طه .
وقرنت حكاية قول السحر بالواو خلافا للحكايات التي سبقتها ؛ لأن هذا قول لم يقصد به المحاورة وإنما هو قول ابتدءوا به عند الشروع في السحر استعانة وتيمنا بعزة
فرعون . فالباء في قولهم : ( بعزة فرعون ) كالباء في ( بسم الله ) : أرادوا التيمن بقدرة
فرعون ، قاله
ابن عطية .
وقيل الباء للقسم : أقسموا بعزة
فرعون على أنهم يغلبون ثقة منهم باعتقاد ضلالهم أن إرادة
فرعون لا يغلبها أحد ؛ لأنها إرادة آلهتهم . وهذا الذي نحاه المفسرون والوجه الأول أحسن ؛ لأن الجملتين على مقتضاه تفيدان فائدتين .
والعزة : القدرة ، وتقدم في قوله : (
أخذته العزة بالإثم ) في البقرة .
وجملة (
إنا لنحن الغالبون ) استئناف إنشاء عن قولهم : (
بعزة فرعون ) : كأن السامع هو
موسى أو غيره يقول في نفسه : ماذا يؤثر قولهم (
بعزة فرعون ) ؟ فيقولون (
إنا لنحن الغالبون ) ، وأرادوا بذلك إلقاء الخوف في نفس
موسى ليكون ما سيلقيه في نوبته عن خور نفس ؛ لأنهم يعلمون أن العزيمة من أكبر أسباب نجاح السحر وتأثيره على الناظرين . وقد أفادت جملة (
إنا لنحن الغالبون ) بما فيها من المؤكدات مفاد القسم .