وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم .
عطف على جملة (
تلك آيات القرآن ) انتقال من التنويه بالقرآن إلى التنويه بالذي أنزل عليه بأن القرآن آيات دالة على أنه كتاب مبين . وذلك آية أنه من عند الله ، ثم بأنه آية على صدق من أنزل عليه إذ أنبأه بأخبار الأنبياء والأمم الماضين التي ما كان يعلمها هو ولا قومه قبل القرآن . وما كان يعلم خاصة
أهل الكتاب إلا قليلا منها وأكثره محرف . وأيضا فهذا تمهيد لما يذكر بعده من القصص .
و ( تلقى ) مضارع لقاه مبني للمجهول ، أي : جعله لاقيا . واللقي واللقاء : وصول أحد الشيئين إلى شيء آخر قصدا أو مصادفة . والتلقية : جعل الشيء لاقيا غيره ، قال تعالى :
ولقاهم نضرة وسرورا ، وهو هنا تمثيل لحال إنزال القرآن إلى النبيء صلى الله عليه وسلم بحال التلقية كأن
جبريل سعى للجمع بين النبيء صلى الله عليه وسلم والقرآن .
وإنما بني الفعل إلى غير مذكور للعلم بأنه لله أو
جبريل ، والمعنى واحد : وهو يكون التأكيد موجها إلى السامعين من الكفار على طريقة التعريض .
وفي إقحام اسم ( لدن ) بين ( من ) و ( حكيم ) تنبيه على شدة انتساب القرآن إلى جانب الله تعالى فإن أصل ( لدن ) الدلالة على المكان مثل ( عند ) ثم شاع
[ ص: 224 ] إطلاقها على ما هو من خصائص ما تضاف هي إليه تنويها بشأنه ، قال تعالى :
وعلمناه من لدنا علما .
والحكيم : القوي الحكمة ، والعليم : الواسع العلم . وفي التنكير إيذان بتعظيم هذا الحكيم العليم كأنه قيل : من حكيم : أي حكيم ، وعليم : أي عليم .
وفي الوصفين الشريفين مناسبة للمعطوف عليه وللممهد إليه ، فإن ما في القرآن دليل على حكمة وعلم من أوحى به ، وأن ما يذكر هنا من القصص وما يستخلص منها من المغازي والأمثال والموعظة ، من آثار حكمة وعلم حكيم عليم وكذلك ما في ذلك من تثبيت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم .