فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين .
أوجز بقية القصص وانتقل إلى العبرة بتكذيب
فرعون وقومه الآيات ، ليعتبر بذلك حال الذين كذبوا بآيات
محمد صلى الله عليه وسلم ، وقصد من هذا الإيجاز طي بساط القصة لينتقل منها إلى قصة
داود ثم قصة
سليمان المبسوطة في هذه السورة . والمراد بمجيء الآيات حصولها واحدة بعد أخرى وهي الآيات الثمان التي قبل الغرق .
والمبصرة : الظاهرة . صيغ لها وزن اسم فاعل الإبصار على طريقة المجاز العقلي ، وإنما المبصر الناظر إليها . وقد تقدم في قوله تعالى :
وآتينا ثمود الناقة مبصرة في سورة الإسراء .
والجحود : الإنكار باللسان .
(
واستيقنتها ) بمعنى أيقنت بها ، فحذف حرف الجر وعدي الفعل إلى المجرور على التوسع أو على نزع الخافض ، أي : تحققتها عقولهم ، والسين والتاء
[ ص: 233 ] للمبالغة . والظلم في تكذيبهم الرسول لأنهم ألصقوا به ما ليس بحق فظلموه حقه .
والعلو : الكبر ويحسن أن تكون جملة (
واستيقنتها ) حالية ، فقوله (
ظلما وعلوا ) نشر على ترتيب اللف . فالظلم في الجحد بها والعلو في كونهم موقنين بها .
وانتصب (
ظلما وعلوا ) على الحال من ضمير (
جحدوا ) وجعل ما هو معلوم من حالهم فيما لحق بهم من العذاب بمنزلة الشيء المشاهد للسامعين فأمر بالنظر إليه بقوله :
فانظر كيف كان عاقبة المفسدين . والخطاب لغير معين . ويجوز أن يكون الخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم تسلية له بما حل بالمكذبين بالرسل قبله ; لأن في ذلك تعريضا بتهديد المشركين بمثل تلك العاقبة .
و ( كيف ) يجوز أن يكون مجردا عن معنى الاستفهام منصوبا على المفعولية ، ويجوز أن يكون استفهاما معلقا فعل النظر عن العمل ، والاستفهام حينئذ للتعجيب .