وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما يخفون وما يعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم .
يجوز أن يكون هذا من جملة الكلام الذي ألقي على لسان الهدهد ، فالواو للعطف . والأظهر أنه كلام آخر من القرآن ذيل به الكلام الملقى إلى
سليمان ، فالواو للاعتراض بين الكلام الملقى
لسليمان وبين جواب
سليمان ، والمقصود التعريض بالمشركين .
وقوله : (
ألا يسجدوا ) قرأه الجمهور بتشديد اللام على أنه مركب في الخط من ( أن ) و ( لا ) النافية كتبتا كلمة واحدة اعتبارا بحالة النطق بها على كل المعاني المرادة منها . و ( يسجدوا ) فعل مضارع منصوب . ويقدر لام جر يتعلق ب ( صدهم عن السبيل ) أي : صدهم لأجل أن لا يسجدوا لله ، أي : فسجدوا للشمس .
[ ص: 255 ] ويجوز أن يكون المصدر المسبوك من (
ألا يسجدوا ) بدل بعض من ( أعمالهم ) وما بينهما اعتراض .
وجوز أن يكون ( ألا ) كلمة واحدة بمعنى ( هلا ) فإن هاءها تبدل همزة . وجعل (
يسجدوا ) مركبا من ياء النداء المستعملة تأكيدا للتنبيه وفعل أمر من السجود كقول
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة :
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى
وهو لا يلائم رسم المصحف إلا أن يقال إنه رسم كذلك على خلاف القياس . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي بتخفيف اللام على أنها ( ألا ) حرف الاستفتاح ويتعين أن يكون (
يسجدوا ) مركبا من ياء النداء وفعل الأمر ، كما تقدم وفيه ما تقدم . والوقف في هذه على ( ألا ) .
وتزيين الأعمال تقدم في أول السورة عند قوله تعالى :
إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون . وإسناده هنا للشيطان حقيقي . و ( السبيل ) مستعار للدين الذي باتباعه تكون النجاة من العذاب وبلوغ دار الثواب .
والخبء : مصدر خبأ الشيء إذا أخفاه . أطلق هنا على اسم المفعول ، أي : المخبوء على طريقة المبالغة في الخفاء كما هو شأن الوصف بالمصدر . ومناسبة وقوع الصفة بالموصول في قوله : (
الذي يخرج الخبء ) لحالة خبر الهدهد ظاهرة ; لأن فيها اطلاعا على أمر خفي . وإخراج الخبء : إبرازه للناس ، أي : إعطاؤه ، أي : إعطاء ما هو غير معلوم لهم من المطر وإخراج النبات وإعطاء الأرزاق ، وهذا مؤذن بصفة القدرة . وقوله :
ويعلم ما يخفون وما يعلنون مؤذن بعموم صفة العلم .
وقرأ الجمهور ( يخفون . . ويعلنون ) بياء الغيبة . وقرأه
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي وحفص عن
عاصم بتاء الخطاب فهو التفات .
ومجيء جملة (
الله لا إله إلا هو ) عقب ذلك استئناف هو بمنزلة النتيجة
[ ص: 256 ] للصفات التي أجريت على اسم الجلالة وهو المقصود من هذا التذييل ، أي : ليس لغير الله شبهة إلهية .
وقوله : (
رب العرش العظيم ) أي : مالك الفلك الأعظم المحيط بالعوالم العليا وقد تقدم . وفي هذا تعريض بأن عظمة ملك
بلقيس وعظم عرشها ما كان حقيقا بأن يغرها بالإعراض عن عبادة الله تعالى ; لأن
الله هو رب الملك الأعظم ، فتعريف ( العرش ) للدلالة على معنى الكمال . ووصفه ب ( العظيم ) للدلالة على كمال العظم في تجسم النفاسة .
وفي منتهى هذه الآية موضع سجود تلاوة تحقيقا للعمل بمقتضى قوله :
ألا يسجدوا لله . وسواء قرئ بتشديد اللام من قوله (
ألا يسجدوا ) أم بتخفيفها ; لأن مآل المعنى على القراءتين واحد وهو إنكار سجودهم لغير الله ; لأن الله هو الحقيق بالسجود .