واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين
الواو عاطفة على قوله :
فاذكروا الله عند المشعر الحرام والعطف يقتضي أن الذكر المأمور به هنا غير الذكر المأمور به في قوله :
فاذكروا الله عند المشعر الحرام فيكون هذا أمرا بالذكر على العموم بعد الأمر بذكر خاص ، فهو في معنى التذييل بعد الأمر بالذكر الخاص في المشعر الحرام .
ويجوز أن يكون المراد من هذه الجملة هو قوله :
كما هداكم فموقعها موقع التذييل . وكان مقتضى الظاهر ألا تعطف بل تفصل وعدل عن مقتضى الظاهر ، فعطفت بالواو باعتبار مغايرتها للجملة التي قبلها بما فيها من تعليل الذكر وبيان سببه ، وهي مغايرة ضعيفة لكنها تصحح العطف كما في قول
الحارث بن همام الشيباني :
أيا ابن زيابة إن تلقني لا تلقني في النعم العازب وتلقني يشتد بي أجرد
مستقدم البركة كالراكب
[ ص: 242 ] فإن جملة " تلقني " الثانية هي بمنزلة بدل الاشتمال من " لا تلقني في النعم العازب " لأن معناه لا تلقني راعي إبل ، وذلك النفي يقتضي كونه فارسا ؛ إذ لا يخلو الرجل عن إحدى الحالتين ، فكان الظاهر فصل جملة " تلقني يشتد بي أجرد " لكنه وصلها لمغايرة ما .
وقوله :
كما هداكم تشبيه للذكر بالهدى و " ما " مصدرية .
ومعنى التشبيه في مثل هذا المشابهة في التساوي ؛ أي : اذكروه ذكرا مساويا لهدايته إياكم فيفيد معنى المجازاة والمكافأة ، فلذلك يقولون : إن الكاف في مثله للتعليل ، وقد تقدم الفرق بينها وبين كاف المجازاة عند قوله تعالى :
فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا وكثر ذلك في الكاف التي اقترنت بها ( ما ) كيف كانت ، وقيل : ذلك خاص بـ " ما " الكافة ، والحق أنه وارد في الكاف المقترنة بـ " ما " وفي غيرها .
وضمير ( من قبله ) يرجع إلى الهدى المأخوذ من " ما " المصدرية و ( إن ) مخففة من " إن " الثقيلة .
والمراد ضلالهم في الجاهلية بعبادة الأصنام وتغيير المناسك وغير ذلك .