وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون هذا انتقال إلى التذكير بالقيامة وما ادخر لهم من الوعيد . فهذه الجملة معطوفة على الجمل قبلها عطف قصة على قصة . ومناسبة ذكرها ما تقدم من قوله
إنك لا تسمع الموتى إلى قوله
عن ضلالتهم . والضمير عائد إلى الموتى والصم والعمي وهم المشركون .
و " القول " أريد به أخبار الوعيد التي كذبوها متهكمين باستبطاء وقوعها بقولهم
متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ، فالتعريف فيه للعهد يفسره المقام .
والوقوع مستعار لحلول وقته وذلك من وقت تهيؤ العالم للفناء إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار .
والآية تشير إلى شيء من أشراط حلول الوعيد الذي أنذروا به وهو الوعيد الأكبر يعني وعيد البعث ، فتشير إلى شيء من أشراط الساعة وهو من خوارق العادات . والتعبير عن وقوعه بصيغة الماضي لتقريب زمن الحال من المضي ، أي أشرف وقوعه ، على أن فعل المضي مع إذا ينقلب إلى الاستقبال .
والدابة : اسم للحي من غير الإنسان ، مشتق من الدبيب ، وهو المشي على
[ ص: 39 ] الأرض وهو من خصائص الأحياء . وتقدم الكلام على لفظ " دابة " في سورة الأنعام . وقد رويت في وصف هذه الدابة ووقت خروجها ومكانها أخبار مضطربة ضعيفة الأسانيد فانظرها في تفسير
القرطبي وغيره إذ لا طائل في جلبها ونقدها .
وإخراج الدابة من الأرض ليريهم كيف يحيي الله الموتى إذ كانوا قد أنكروا البعث . ولا شك أن كلامها لهم خطاب لهم بحلول الحشر . وإنما خلق الله الكلام لهم على لسان دابة تحقيرا لهم وتنديما على إعراضهم عن قبول أبلغ كلام وأوقعه من أشرف إنسان وأفصحه ، ليكون لهم خزيا في آخر الدهر يعيرون به في المحشر . فيقال : هؤلاء الذين أعرضوا عن كلام رسول كريم فخوطبوا على لسان حيوان بهيم . على نحو ما قيل : استفادة القابل من المبدإ تتوقف على المناسبة بينهما .
وجملة
إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون تعليل لإظهار هذا الخارق للعادة حيث لم يوقن المشركون بآيات القرآن فجعل ذلك إلجاء لهم حين لا ينفعهم .
وقرأ الجمهور إن الناس بكسر همزة " إن " ، وموقع " إن " في مثل هذا التعليل . وقرأ
عاصم وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي (
أن الناس ) بفتح الهمزة وهي أيضا للتعليل ؛ لأن فتح همزة ( أن ) يؤذن بتقدير حرف جر وهو باء السببية ، أي تكلمهم بحاصل هذا وهو المصدر . والمعنى : أنها تسجل على الناس وهم المشركون عدم تصديقهم بآيات الله . وهو تسجيل توبيخ وتنديم ؛ لأنهم حينئذ قد وقع القول عليهم
لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل . وحمل هذه الجملة على أن تكون حكاية لما تكلمهم به الدابة بعيد .