قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم بدل اشتمال من جملة
قال هذا من عمل الشيطان ؛ لأن الجزم بكون ما صدر منه عملا من عمل الشيطان وتغريره ، يشتمل على أن ذلك ظلم لنفسه ، وأن يتوجه إلى الله بالاعتراف بخطئه ، ويفرع عليه طلب غفرانه . وسمى فعله ظلما لنفسه ؛ لأنه كان من أثر فرط الغضب لأجل رجل من شيعته ، وكان يستطيع أن يملك من غضبه فكان تعجيله بوكز القبطي وكزة قاتلة ظلما جره لنفسه . وسماه في سورة الشعراء ضلالا
قال فعلتها إذا وأنا من الضالين .
وأراد بظلمه نفسه أنه تسبب لنفسه في مضرة إضمار القبط قتله ، وأنه تجاوز الحد في عقاب القبطي على مضاربته الإسرائيلي . ولعله لم يستقص الظالم منهما وذلك انتصار جاهلي كما قال
وداك بن ثميل المازني يمدح قومه :
إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم لأية حرب أم بأي مكان
وقد اهتدى
موسى إلى هذا كله بالإلهام إذ لم تكن يومئذ شريعة إلهية في القبط . ويجوز أن يكون علمه بذلك مما تلقاه من أمه وقومها من تدين ببقايا دين
إسحاق ويعقوب .
ولا التفات في هذا إلى جواز صدور الذنب من النبيء ؛ لأنه لم يكن يومئذ نبيا ، ولا مسألة صدور الذنب من النبيء قبل النبوة ؛ لأن تلك مفروضة فيما تقرر حكمه من الذنوب بحسب شرع ذلك النبيء أو شرع نبي هو متبعه مثل
عيسى عليه السلام قبل نبوءته لوجود شريعة التوراة وهو من أتباعها .
والفاء في قوله
فغفر له للتعقيب ، أي استجاب استغفاره فعجل له بالمغفرة .
[ ص: 92 ] وجملة
فغفر له معترضة بين جملة
قال رب إني ظلمت نفسي وجملة
قال رب بما أنعمت علي كان اعتراضها إعلاما لأهل القرآن
بكرامة موسى عليه السلام عند ربه .
وجملة
إنه هو الغفور الرحيم تعليل لجملة
فغفر له ; علل المغفرة له بأنه شديد الغفران ورحيم بعباده ، مع تأكيد ذلك بصيغة القصر إيماء إلى أن ما جاء به هو من ظلم نفسه وما حفه من الأمور التي ذكرناها .