قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين إعادة " قال " أفاد تأكيدا لفعل "
قال رب إني ظلمت نفسي " . أعيد القول للتنبيه على اتصال كلام
موسى حيث وقع الفصل بينه بجملتي "
فغفر له إنه هو الغفور الرحيم " . ونظم الكلام : قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ، رب بما أنعمت فلن أكون ظهيرا للمجرمين ، وليس قوله قال رب بما أنعمت علي مستأنفا عن قوله فغفر له ؛ لأن
موسى لم يعلم أن الله غفر له إذ لم يكن يوحى إليه يومئذ .
والباء للسببية في "
بما أنعمت علي " و " ما " موصولة . وحذف العائد من الصلة ؛ لأنه ضمير مجرور بمثل ما جر به الموصول ، والحذف في مثله كثير ، والتقدير : بالذي أنعمت به علي . ويجوز أن تكون " ما " مصدرية وماصدق الإنعام عليه ، هو ما أوتيه من الحكمة والعلم فتميزت عنده الحقائق ، ولم يبق للعوائد والتقاليد تأثير على شعوره . فأصبح لا ينظر الأشياء إلا بعين الحقيقة ، ومن ذلك أن لا يكون ظهيرا وعونا للمجرمين .
وأراد من يتوسم منهم الإجرام ، وأراد بهم الذين يستذلون الناس ويظلمونهم ؛ لأن القبطي أذل الإسرائيلي بغصبه على تحميله الحطب دون رضاه .
ولعل هذا الكلام ساقه مساق الاعتبار عن قتله القبطي وثوقا بأنه قتله خطأ .
واقتران جملة
فلن أكون ظهيرا للمجرمين بالفاء ؛ لأن الموصول كثيرا ما
[ ص: 93 ] يعامل معاملة اسم الشرط فيقترن خبره ومتعلقه بالفاء تشبيها له بجزاء الشرط ، وخاصة إذا كان الموصول مجرورا مقدما ، فإن المجرور المقدم قد يقصد به معنى الشرطية فيعامل معاملة الشرط كقوله في الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341893كما تكونوا يول عليكم بجزم تكونوا وإعطائه جوابا مجزوما . والظهير : النصير .
وقد دل هذا النظم على أن
موسى أراد أن يجعل عدم مظاهرته للمجرمين جزاء على نعمة الحكمة ، والعلم بأن جعل شكر تلك النعمة الانتصار للحق وتغيير الباطل ؛ لأنه إذا لم يغير الباطل والمنكر وأقرهما فقد صانع فاعلهما ، والمصانعة مظاهرة . ومما يؤيد هذا التفسير أن
موسى لما أصبح من الغد فوجد الرجل الذي استصرخه في أمسه يستصرخه على قبطي آخر أراد أن يبطش بالقبطي ، وفاء بوعده ربه إذ قال
فلن أكون ظهيرا للمجرمين ؛ لأن القبطي مشرك بالله والإسرائيلي موحد .
وقد جعل جمهور من السلف هذه الآية حجة على
منع إعانة أهل الجور في شيء من أمورهم . ولعل وجه الاحتجاج بها أن الله حكاها عن
موسى في معرض التنويه به فاقتضى ذلك أنه من القول الحق .