ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل هذه هجرة نبوية تشبه هجرة
إبراهيم عليه السلام إذ قال
إني مهاجر إلى ربي . وقد ألهم الله
موسى عليه السلام أن يقصد بلاد
مدين إذ يجد فيها نبيئا يبصره بآداب النبوة ، ولم يكن
موسى يعلم إلى أين يتوجه ولا من سيجد في وجهته كما دل عليه قوله
عسى ربي أن يهديني سواء السبيل .
فقوله تعالى
ولما توجه تلقاء مدين عطف على جمل محذوفة إذ التقدير : ولما خرج من المدينة هائما على وجهه فاتفق أن كان مسيره في طريق يؤدي إلى أرض
مدين حينئذ قال
عسى ربي أن يهديني سواء السبيل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : خرج
موسى ولا علم له بالطريق إلا حسن ظن بربه .
وتوجه : ولى وجهه ، أي استقبل بسيره تلقاء
مدين .
وتلقاء : أصله مصدر على وزن التفعال بكسر التاء ، وليس له نظير في كسر التاء إلا تمثال ، وهو بمعنى اللقاء والمقاربة . وشاع إطلاق هذا المصدر على جهته فصار من ظروف المكان التي تنصب على الظرفية . والتقدير : لما توجه جهة تلاقي
مدين ، أي جهة تلاقي بلاد
مدين ، وقد تقدم قوله تعالى
وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار في سورة الأعراف .
[ ص: 98 ] ومدين : قوم من ذرية مدين بن إبراهيم . وقد مضى الكلام عليهم عند قوله تعالى
وإلى مدين أخاهم شعيبا في سورة الأعراف .
وأرض
مدين واقعة على الشاطئ الغربي من
البحر الأحمر ، وكان
موسى قد سلك إليها عند خروجه من بلد (
رعمسيس ) أو (
منفيس ) طريقا غربية جنوبية فسلك برية تمر به على
أرض العمالقة ،
وأرض الأدوميين ، ثم
بلاد النبط إلى أرض
مدين . تلك مسافة ثمانمائة وخمسين ميلا تقريبا . وإذ قد كان
موسى في سيره ذلك راجلا فتلك المسافة تستدعي من المدة نحوا من خمسة وأربعين يوما . وكان يبيت في البرية لا محالة . وكان رجلا جلدا وقد ألهمه الله سواء السبيل فلم يضل في سيره .
والسواء : المستقيم النهج الذي لا التواء فيه . وقد ألهمه الله هذه الدعوة التي في طيها توفيقه إلى الدين الحق .