ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون
هو يوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ، كرر الحديث عنه
[ ص: 162 ] باعتبار تعدد ما يقع فيه ؛ لأن مقام الموعظة يقتضي الإطناب في تعداد ما يستحق به التوبيخ . وكررت جملة " يوم يناديهم " ؛ لأن التكرار من مقتضيات مقام الموعظة ، وهذا توبيخ لهم على تكذيبهم الرسل بعد انقضاء توبيخهم على الإشراك بالله .
والمراد : ماذا أجبتم المرسلين في الدعوة إلى توحيد الله وإبطال الشركاء . والمراد بـ " المرسلين "
محمد - صلى الله عليه وسلم - كما في قوله تعالى في سورة سبأ : " فكذبوا رسلي " . وله نظائر في القرآن منها قوله :
ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا ، يريد
محمدا - صلى الله عليه وسلم - في سورة يونس ، وقوله :
كذبت قوم نوح المرسلين ، الآيات في سورة الشعراء ، وإنما كذب كل فريق من أولئك رسولا واحدا . والذي اقتضى صيغة الجمع أن جميع المكذبين إنما كذبوا رسلهم بعلة استحالة رسالة البشر إلى البشر ، فهم إنما كذبوا بجنس المرسلين ، ولام الجنس إذا دخلت على " جميع " أبطلت منه معنى الجمعية .
والاستفهام بـ " ماذا " صوري مقصود منه إظهار بلبلتهم . و " ذا " بعد " ما " الاستفهامية تعامل معاملة الموصول ، أي ما الذي أجبتم المرسلين ، أي ما جوابكم . والأنباء : جمع نبأ ، وهو الخبر عن أمر مهم ، والمراد به هنا الجواب عن سؤال
ماذا أجبتم المرسلين ؛ لأن ذلك الجواب إخبار عما وقع منهم مع رسلهم في الدنيا .
والمعنى : عميت الأنباء على جميع المسئولين فسكتوا كلهم ، ولم ينتدب زعماؤهم للجواب كفعلهم في تلقي السؤال السابق
أين شركائي الذين كنتم تزعمون .
ومعنى " عميت " خفيت عليهم وهو مأخوذ من عمى البصر ؛ لأنه يجعل صاحبه لا يتبين الأشياء ، فتصرفت من العمى معان كثيرة متشابهة ، يبينها تعدية الفعل كما عدي هنا بحرف " على " المناسب للخفاء . ويقال : عمي عليه الطريق ، إذا لم يعرف ما يوصل منه ، قال عبد الله بن رواحة :
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به موقنات أن ما قال واقع
والمعنى : خفيت عليهم الأنباء ولم يهتدوا إلى جواب ، وذلك من الحيرة والوهل ،
[ ص: 163 ] فإنهم لما نودوا
أين شركائي الذين كنتم تزعمون انبرى رؤساؤهم فلفقوا جوابا عدلوا به عن جادة الاستفهام إلى إنكار أن يكونوا هم الذين سنوا لقومهم عبادة الأصنام ، فلما سئلوا عن جواب دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عيوا عن الجواب ، فلم يجدوا مغالطة ؛ لأنهم لم يكونوا مسبوقين من سلفهم بتكذيب الرسول ، فإن الرسول بعث إليهم أنفسهم .
ولهذا تفرع على
فعميت عليهم الأنباء قوله :
فهم لا يتساءلون ، أي لا يسأل بعضهم بعضا لاستخراج الآراء ، وذلك من شدة البهت والبغت على الجميع أنهم لا متنصل لهم من هذا السؤال فوجموا .
وإذ كان الاستفهام لتمهيد أنهم محقوقون بالعذاب علم من عجزهم عن الجواب عنه أنهم قد حق عليهم العذاب .