وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون
عطف على جملة
وربك يخلق ما يشاء ويختار الآية . والمقصود هو قوله :
[ ص: 167 ] " وله الحكم " ، وإنما قدم عليه ما هو دليل على أنه المنفرد بالحكم مع إدماج صفات عظمته الذاتية المقتضية افتقار الكل إليه .
ولذلك ابتدئت الجملة بضمير الغائب ليعود إلى المتحدث عنه بجميع ما تقدم من قوله :
وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها إلى هنا ، أي الموصوف بتلك الصفات العظيمة والفاعل لتلك الأفعال الجليلة . والمذكور بعنوان " ربك " هو المسمى الله ، اسما جامعا لجميع معاني الكمال ، فضمير الغيبة مبتدأ واسم الجلالة خبره ، أي فلا تلتبسوا فيه ولا تخطئوا بادعاء ما لا يليق باسمه . وقريب منه قوله :
ذلكم الله ربكم الحق .
وقوله : " لا إله إلا هو " خبر ثان عن ضمير الجلالة ، وفي هذا الخبر الثاني زيادة تقرير لمدلول الخبر الأول ، فإن اسم الجلالة اختص بالدلالة على الإله الحق إلا أن المشركين حرفوا أو أثبتوا الإلهية للأصنام مع اعترافهم بأنها إلهية دون إلهية الله تعالى ، فكان من حق النظر أن يعلم أن لا إله إلا هو ، فكان هذا إبطالا للشرك بعد إبطاله بحكاية تلاشيه عن أهل ملته يوم القيامة بقوله : " وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم " .
وأخبر عن اسم الجلالة خبرا ثانيا بقوله :
له الحمد في الأولى والآخرة وهو استدلال على انتفاء إلهية غيره بحجة أن الناس مؤمنهم وكافرهم لا يحمدون في الدنيا إلا الله ، فلا تسمع أحدا من المشركين يقول : الحمد للعزى ، مثلا .
فاللام في له للملك ، أي لا يملك الحمد غيره ، وتقديم المجرور لإفادة الاختصاص ، وهو اختصاص حقيقي .
وتعريف الحمد تعريف الجنس المفيد للاستغراق ، أي له كل حمد .
و الأولى هي الدنيا ، وتخصيص الحمد به في الدنيا اختصاص لجنس الحمد به ؛ لأن حمد غيره مجاز كما تقدم في أول الفاتحة .
وأما الحمد في الآخرة فهو ما في قوله :
يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده . واختصاص الجنس به في الآخرة حقيقة .
[ ص: 168 ] وقوله :
وله الحكم اللام فيه أيضا للملك ، والتقديم للاختصاص أيضا .
والحكم : القضاء ، وهو تعيين نفع أو ضر للغير . وحذف المتعلق بالحكم لدلالة قوله :
في الأولى والآخرة عليه ، أي له الحكم في الدارين . والاختصاص مستعمل في حقيقته ومجازه ؛ لأن الحكم في الدنيا يثبت لغير الله على المجاز ، وأما الحكم في الآخرة فمقصود على الله . وفي هذا إبطال لتصرف آلهة المشركين فيما يزعمونه من تصرفاتها وإبطال لشفاعتها التي يزعمونها في قولهم :
هؤلاء شفعاؤنا عند الله أي في الآخرة إن كان ما زعمتم من البعث .
وأما جملة
وإليه ترجعون فمسوقة مساق التخصيص بعد التعميم ، فبعد أن أثبت لله كل حمد وكل حكم ، أي أنكم ترجعون إليه في الآخرة فتمجدونه ويجري عليكم حكمه ، والمقصود بهذا إلزامهم بإثبات البعث .
وتقديم المجرور في
وإليه ترجعون للرعاية على الفاصلة وللاهتمام بالانتهاء إليه أي إلى حكمه .