ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون
تصريح بنعمة تعاقب الليل والنهار على الناس بقوله :
لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ، وذلك مما دلت عليه الآية السابقة بطريق الإدماج بقوله : " يأتيكم " ، وبقوله : " تسكنون فيه " كما تقدم آنفا .
وجملة
جعل لكم الليل والنهار إلخ . . معطوفة على جملة
أرايتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا .
و " من " تبعيضية ، فإن
رحمة الله بالناس حقيقة كلية لها تحقق في وجود أنواعها وآحادها العديدة ، والمجرور بـ " من " يتعلق بفعل
جعل لكم الليل ، وكذلك يتعلق به لكم ، والمقصود إظهار أن هذا رحمة من الله ، وأنه بعض من رحمته التي وسعت كل شيء ؛ ليتذكروا بهما نعما أخرى .
وقدم المجرور بـ
ومن رحمته على عامله للاهتمام بمنة الرحمة .
وقد سلك في قوله :
لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله طريقة اللف والنشر المعكوس ، فيعود
لتسكنوا فيه إلى الليل ، ويعود
ولتبتغوا من فضله إلى النهار ، والتقدير : ولتبتغوا من فضله فيه ، فحذف الضمير وجاره إيجازا ، اعتمادا على المقابلة .
والابتغاء من فضل الله كناية عن العمل والطلب لتحصيل الرزق ، قال تعالى :
وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله . والرزق : فضل من الله .
[ ص: 172 ] وتقدم في قوله تعالى :
ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في سورة البقرة . ولام لتسكنوا ولام ولتبتغوا للتعليل ، ومدخولاهما علتان للجعل المستفاد من فعل جعل .
وعطف على العلتين رجاء شكرهم على هاتين النعمتين اللتين هما من جملة رحمته بالناس ، فالشأن أن يتذكروا بذلك مظاهر الرحمة الربانية وجلائل النعم ، فيشكروه بإفراده بالعبادة ، وهذا تعريض بأنهم كفروا فلم يشكروا .
وقرأ الجمهور " أرأيتم " بألف بعد الراء ؛ تخفيفا لهمزة رأى . وقرأ الكسائي بحذف الهمزة زيادة في التخفيف ، وهي لغة .