صفحة جزء
من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم

هذا مسوق للمؤمنين خاصة لأنهم الذين يرجون لقاء الله ، فالجملة مفيدة التصريح بما أومأ إليه قوله : أن يسبقونا من الوعد بنصر المؤمنين على عدوهم [ ص: 208 ] مبينة لها ؛ ولذلك فصلت . ولولا هذا الوقع لكان حق الإخبار بها أن يجيء بواسطة حرف العطف . ورجاء لقاء الله : ظن وقوع الحضور لحساب الله .

ولقاء الله : الحشر للجزاء ؛ لأن الناس يتلقون خطاب الله المتعلق بهم ، لهم أو عليهم ، مباشرة بدون واسطة ، وقد تقدم في قوله : الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ، وقوله : واعلموا أنكم ملاقوه في سورة البقرة .

و أجل الله يجوز أن يكون الوقت الذي عينه الله في علمه للبعث والحساب ، فيكون من الإظهار في مقام الإضمار ، ومقتضى الظاهر أن يقال : فإنه لآت ، فعدل إلى الإظهار كما في إضافة " أجل " إلى اسم الجلالة من الإيماء إلى أنه لا يخلف . والمقصود الاهتمام بالتحريض على الاستعداد . ويجوز أن يكون المراد بـ أجل الله الأجل الذي عينه الله لنصر المؤمنين وانتهاء فتنة المشركين إياهم باستئصال مساعير تلك الفتنة ، وهم صناديد قريش ، وذلك بما كان من النصر يوم بدر ثم ما عقبه إلى فتح مكة فيكون الكلام تثبيتا للرسول - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين حين استبطأ المؤمنون النصر للخلاص من فتنة المشركين حتى يعبدوا الله لا يفتنوهم في عبادته . والمعنى عليه : إن كنتم مؤمنين بالبعث إيقانا ينبعث من تصديق وعد الله به فإن تصديقكم بمجيء النصر أجدر ؛ لأنه وعدكم به ، فـ " من " شرطية ، وجعل فعل الشرط فعل الكون للدلالة على تمكن هذا الرجاء من فاعل فعل الشرط .

ولهذا كان قوله : فإن أجل الله لآت جوابا لقوله : من كان يرجو لقاء الله باعتبار دلالته على الجواب المقدر ؛ ليلتئم الربط بين مدلول جملة الشرط ومدلول جملة الجزاء . ولولا ذلك لاختل الربط بين الشرط والجزاء ؛ إذ يفضي إلى معنى : من لم يكن يرجو لقاء الله فإن أجل الله غير آت ، وهذا لا يستقيم في مجاري الكلام ، فلزم تقدير شيء من باب دلالة الاقتضاء .

وتأكيد جملة الجزاء بحرف التوكيد على الوجه الأول للتحريض والحث على الاستعداد للقاء الله ، وعلى الوجه الثاني لقصد تحقيق النصر الموعود به تنزيلا لاستبطائه منزلة التردد ؛ لقصد إذكاء يقينهم بما وعد الله ولا يوهنهم طول المدة الذي يضخمه الانتظار . وبهذا يظهر وقع التذييل بوصفي السميع العليم دون غيرهما من الصفات العلا ؛ للإيماء بوصف السميع إلى أن الله تعالى سمع [ ص: 209 ] مقالة بعضهم من الدعاء بتعجيل النصر كما أشار إليه قوله تعالى : وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ، وكقول النبيء - صلى الله عليه وسلم - :

اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة ، اللهم أنج الوليد بن الوليد ، اللهم أنج سلمة بن هشام ، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف .

والإيماء بوصف العليم إلى أن الله علم ما في نفوسهم من استعجال النصر ، ولو كان المراد من أجل الله الموت لما كان وجه للإعلام بإتيانه بله تأكيده ، وكذا لو كان المراد منه البعث لكان قوله : من كان يرجو لقاء الله كافيا ، فهذا وجه ما أشارت إليه الآيات بالمنطوق والاقتضاء ، والعدول بها عن هذا المهيع وإلى ما في " الكشاف " و " مفاتيح الغيب " أخذا من كلام أبي عبيدة - تحويل لها عن مجراها وصرف لكلمة الرجاء عن معناها ، وتفكيك لنظم الكلام عن أن يكون آخذا بعضه بحجز بعض .

وإظهار اسم الجلالة في جملة فإن أجل الله لآت مع كون مقتضى الظاهر الإضمار ؛ لتقدم اسم الجلالة في جملة الشرط من كان يرجو لقاء الله ؛ لئلا يلتبس معاد الضمير بأن يعاد إلى " من " ؛ إذ المقصود الإعلام بأجل مخصوص وهو وقت النصر الموعود كما في قوله تعالى : ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون .

وعبر بفعل الرجاء عن ترقب البعث ؛ لأن الكلام مسوق للمؤمنين وهم ممن يرجو لقاء الله لأنهم يترقبون البعث لما يأملون من الخيرات فيه . قال بلال - رضي الله عنه - حين احتضاره متمثلا بقول بعض الأشعريين الذين وفدوا على النبيء - صلى الله عليه وسلم - :


غدا ألقى الأحبه محمدا وصحبه



التالي السابق


الخدمات العلمية