وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين
يجوز أن تكون هذه الجملة من بقية مقالة
إبراهيم عليه السلام بأن يكون رأى منهم مخائل التكذيب ، ففرض وقوعه ، أو يكون سبق تكذيبهم إياه مقالته هذه ، فيكون الغرض من هذه الجملة لازم الخبر ، وهو أن تكذيبهم إياه ليس بعجيب ، فلا يضيره ولا يحسبوا أنهم يضيرونه به ويتشفون منه ، فإن ذلك قد انتاب الرسل قبله من أممهم ؛ ولذلك أجمع القراء على قراءة فعل تكذبوا بتاء الخطاب ولم يختلفوا فيه اختلافهم في قراءة قوله :
أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق إلخ .
[ ص: 227 ] ويجوز أن تكون الجملة معترضة والواو اعتراضية ، واعتراض هذا الكلام بين كلام
إبراهيم وجواب قومه ، فهو كلام موجه من جانب الله تعالى إلى المشركين التفت به من الغيبة إلى الخطاب تسجيلا عليهم ، والمقصود منه بيان فائدة سوق قصة
نوح وإبراهيم وأن للرسول - صلى الله عليه وسلم - أسوة برسل الأمم الذين قبله وخاصة إبراهيم جد العرب المقصودين بالخطاب على هذا الوجه .
وجملة
وما على الرسول إلا البلاغ المبين إعلام للمخاطبين بأن تكذيبهم لا يلحقه منه ما فيه تشف منه ; فإن كان من كلام
إبراهيم فالمراد بالرسول
إبراهيم ، سلك مسلك الإظهار في مقام الإضمار لإيذان عنوان الرسول بأن واجبه إبلاغ ما أرسل به بينا واضحا ، وإن كان من خطاب الله مشركي
قريش ، فالمراد بالرسول
محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد غلب عليه هذا الوصف في القرآن مع الإيذان بأن عنوان الرسالة لا يقتضي إلا التبليغ الواضح .