فآمن له لوط
جملة معترضة بين الإخبار عن
إبراهيم اعتراض التفريع ، وأفادت الفاء
مبادرة لوط بتصديق إبراهيم . والاقتصار على ذكر
لوط يدل على أنه لم يؤمن به إلا
لوط ؛ لأنه الرجل الفرد الذي آمن به ، وأما امرأة
إبراهيم وامرأة
لوط فلا يشملهما اسم القوم في قوله تعالى :
وإبراهيم إذ قال لقومه الآية ؛ لأن القوم خاص برجال القبيلة ، قال
زهير :
أقوم آل حصن أم نساء
[ ص: 238 ] وفي التوراة أنه كانت معه زوجه
سارة وزوج
لوط واسمها
ملكة .
ولوط هو ابن هارون أخي إبراهيم ،
فلوط يومئذ من أمة
إبراهيم عليهما السلام .
وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم
عطف على جملة
فأنجاه الله من النار .
فضمير " قال " عائد إلى
إبراهيم ، أي أعلن أنه مهاجر ديار قومه ، وذلك لأن الله أمره بمفارقة أهل الكفر .
وهذه
أول هجرة لأجل الدين ؛ ولذلك جعلها هجرة إلى ربه . والمهاجرة مفاعلة من الهجر : وهو ترك شيء كان ملازما له ، والمفاعلة للمبالغة ، أو لأن الذي يهجر قومه يكونون هم قد هجروه أيضا .
وحرف " إلى " في قوله :
إلى ربي للانتهاء المجازي إذ جعل هجرته إلى الأرض التي أمره الله بأن يهاجر إليها كأنها هجرة إلى ذات الله تعالى ، فتكون " إلى " تخييلا لاستعارة مكنية ، أو جعل هجرته من المكان الذي لا يعبد أهله الله لطلب مكان ليس فيه مشركون بالله كأنه هجرة إلى الله ، فتكون " إلى " على هذا الوجه مستعارة لمعنى لام التعليل استعارة تبعية .
ورشحت هذه الاستعارة على كلا الوجهين بقوله :
إنه هو العزيز الحكيم ، وهي جملة واقعة موقع التعليل لمضمون
إني مهاجر إلى ربي ؛ لأن من كان عزيزا يعتز به جاره ونزيله .
وإتباع وصف العزيز بـ الحكيم لإفادة أن عزته محكمة واقعة موقعها المحمود عند العقلاء ، مثل نصر المظلوم ، ونصر الداعي إلى الحق ، ويجوز أن يكون الحكيم بمعنى الحاكم ، فيكون زيادة تأكيد معنى العزيز .
وقد مضت قصة إبراهيم وقومه وبلادهم مفصلة في سورة الأنبياء .