ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون
عطف على جملة
إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها إلى آخرها حيث اقتضت أن الذين قالوا (
أإذا ضللنا في الأرض إنا لفي خلق جديد ) ليسوا كأولئك فانتقل إلى الإخبار عنهم بأنهم أشد الناس ظلما لأنهم يذكرون بآيات الله حين يتلى عليهم القرآن فيعرضون عن تدبرها ويلغون فيها ، فآيات الله مراد بها القرآن .
وجيء في عطف جملة أعرض بحرف ( ثم ) لقصد الدلالة على تراخي رتبة الإعراض عن الآيات بعد التذكير بها تراخي استبعاد وتعجيب من حالهم كقول
جعفر بن علبة الحارثي :
لا يكشف الغماء إلا ابن حرة يرى غمرات الموت ثم يزورها
[ ص: 234 ] أي عجيب إقدامه على مواقع الهلاك بعد مشاهدة غمرات الموت تغمر الذين أقدموا على تلك المواقع .
و من للاستفهام الإنكاري كقوله
ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه أي لا أظلم منه ، أي لا أحد أظلم منه لأنه ظلم نفسه بحرمانها من التأمل فيما نفعه ، وظلم الآيات بتعطيل نفعها في بعض من أريد انتفاعهم بها ، وظلم الرسول عليه الصلاة والسلام بتكذيبه والإعراض عنه ، وظلم حق ربه إذ لم يمتثل ما أراد منه .
وجملة
إنا من المجرمين منتقمون مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئا عن
تفظيع ظلم الذي ذكر بآيات ربه فأعرض عنها لأن السامع يترقب جزاء ذلك الظالم .
والمراد بالمجرمين هؤلاء الظالمون ، عدل عن ذكر ضميرهم لزيادة تسجيل فظاعة حالهم بأنهم مجرمون مع أنهم ظالمون ، وقد يقال : إن المجرمين أعم من الظالمين فيكون دخلوهم في الانتقام من المجرمين أحرويا وتصير جملة
إنا من المجرمين منتقمون تذييلا .