أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون
عطف على أو لم يهد لهم . ونيط الاستدلال هنا بالرؤية لأن إحياء الأرض بعد موتها ثم إخراج النبت منها دلالة مشاهدة . واختير المضارع في قوله نسوق لاستحضار الصورة العجيبة الدالة على القدرة الباهرة .
والسوق : إزجاء الماشي من ورائه .
والماء : ماء المزن ، وسوقه إلى الأرض هو سوق السحاب الحاملة إياه بالرياح التي تنقل السحاب من جو إلى جو ; فشبهت هيئة الرياح والسحاب بهيئة السائق للدابة . والتعريف في الأرض تعريف الجنس .
والجرز : اسم للأرض التي انقطع نبتها ، وهو مشتق من الجرز ، وهو : انقطاع النبت والحشيش ، إما بسبب يبس الأرض أو بالرعي ، والجرز : القطع . وسمي السيف القاطع جرازا ، قال الراجز يصف أسنان ناقة :
تنحي على الشوك جرازا مقضبا والهرم تذريه إذدراء عجبا
فالأرض الجرز : التي انقطع نبتها . ولا يقال للأرض التي لا تنبت كالسباخ جرز . والزرع : ما نبت بسبب بذر حبوبه في الأرض كالشعير والبر والفصفصة ، وأكل الأنعام غالبه من الكلأ لا من الزرع فذكر الزرع بلفظه ، ثم ذكر أكل الأنعام يدل على تقدير : وكلأ . ففي الكلام اكتفاء . والتقدير : ونخرج به زرعا وكلأ تأكل منه أنعامهم وأنفسهم . والمقصود :
الاستدلال على البعث وتقريبه وإمكانه بإخراج النبت من الأرض بعد أن زال ; فوجه الأول ، وأدمج في هذا الاستدلال امتنان بقوله
تأكل منه أنعامهم وأنفسهم .
ثم فرع عليه استفهام تقريري بجملة أفلا يبصرون . وتقدم بيان مثله آنفا
[ ص: 242 ] في قوله أفلا يسمعون . ونيط الحكم بالإبصار هنا لأن دلالة إحياء الأرض بعد موتها دلالة مشاهدة .