ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا
عطف على جملة
فأرسلنا عليهم ريحا وهو الأنسب بسياق الآيات بعدها ، أي أرسل عليهم ريحا وردهم ، أو حال من ضمير
يحسبون الأحزاب لم يذهبوا ، أي يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وقد رد الله الأحزاب فذهبوا .
[ ص: 310 ] والرد : الإرجاع إلى المكان الذي صدر منه فإن
ردهم إلى ديارهم من تمام النعمة على المسلمين بعد نعمة إرسال الريح عليهم لأن رجوعهم أعمل في اطمئنان المسلمين . وعبر عن الأحزاب بالذين كفروا للإيماء إلى أن كفرهم هو سبب خيبتهم العجيبة الشأن .
والباء في
بغيظهم للملابسة ، وهو ظرف مستقر في موضع الحال ، أي ردهم مغيظين .
وإظهار اسم الجلالة دون ضمير المتكلم للتنبيه على عظم شأن هذا الرد العجيب كما تقدم في قوله تعالى :
ليجزي الله الصادقين بصدقهم .
والغيظ : الحنق والغضب ، وكان غضبهم عظيما يناسب حال خيبتهم لأنهم تجشموا كلفة التجمع والإنفاق وطول المكث حول
المدينة بلا طائل وخابت آمالهم في فتح
المدينة وأكل ثمارها وإفناء المسلمين ، وهم يحسبون أنها منازلة أيام قليلة ، ثم غاظهم ما لحقهم من النكبة بالريح والانهزام الذي لم يعرفوا سببه .
وجملة
لم ينالوا خيرا حال ثانية . ولك أن تجعل جملة
لم ينالوا خيرا استئنافا بيانيا لبيان موجب غيظهم .
و كفى بمعنى أغنى ، أي أراحهم من كلفة القتال بأن صرف الأحزاب . و كفى بهذا المعنى تتعدى إلى مفعولين يقال : كفيتك مهمك وليست هي التي تزاد الباء في مفعولها فتلك بمعنى : حسب .
وفي قوله
وكفى الله المؤمنين القتال حذف مضاف ، أي كلفة القتال ، أو أرزاء القتال ، فإن المؤمنين كانوا يومئذ بحاجة إلى توفير عددهم وعددهم بعد مصيبة يوم
أحد ولو التقوا مع جيش المشركين لكانت أرزاؤهم كثيرة ولو انتصروا على المشركين .
والقول في إظهار اسم الجلالة في قوله
وكفى الله المؤمنين القتال كالقول في
ورد الله الذين كفروا بغيظهم .
[ ص: 311 ] وجملة
وكان الله قويا عزيزا تذييل لجملة
ورد الله الذين كفروا إلى آخرها .
والقوة : القدرة ، وقد تقدمت في قوله
لو أن لي بكم قوة في سورة هود .
والعزة : العظمة والمنعة ، وتقدمت في قوله تعالى :
أخذته العزة بالإثم في سورة البقرة .
وذكر فعل ( كان ) للدلالة على أن العزة والقوة وصفان ثابتان لله تعالى ، ومن تعلقات قوته وعزته أن صرف ذلك الجيش العظيم خائبين مفتضحين وألقى بينه وبين أحلافه من قريظة الشك ، وأرسل عليهم الريح والقر ، وهدى
نعيم بن مسعود الغطفاني إلى الإسلام دون أن يشعر قومه فاستطاع النصح للمسلمين بالكيد للمشركين . ذلك كله معجزة للنبيء - صلى الله عليه وسلم - .