وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن
عطف على جملة
لا تدخلوا بيوت النبي فهي زيادة بيان للنهي عن دخول البيوت النبوية وتحديد لمقدار الضرورة التي تدعو إلى دخولها أو الوقوف بأبوابها .
وهذه الآية هي شارعة حكم
حجاب أمهات المؤمنين ، وقد قيل : إنها نزلت في ذي القعدة سنة خمس .
وضمير سألتموهن عائد إلى الأزواج المفهوم من ذكر البيوت في قوله بيوت النبيء فإن للبيوت رباتهن وزوج الرجل هي ربة البيت ، قال
مرة بن محكان التميمي :
يا ربة البيت قومي غير صاغرة ضمي إليك رجال الحي والغربا
وقد كانوا لا يبني الرجل بيتا إلا إذا أراد التزوج . وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342420كنت عزبا أبيت في المسجد . ومن أجل ذلك سمو الزفاف بناء . فلا جرم كانت المرأة والبيت متلازمين فدلت البيوت على الأزواج بالالتزام . ونظير هذا قوله تعالى
وفرش مرفوعة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين فإن ذكر الفرش يستلزم أن للفراش امرأة ، فلما ذكر البيوت هنا تبادر أن للبيوت ربات .
والمتاع : ما يحتاج إلى الانتفاع به مثل عارية الأواني ونحوها ، ومثل سؤال العفاة ويلحق بذلك ما هو أولى بالحكم من سؤال عن الدين أو عن القرآن ، وقد كانوا يسألون
عائشة عن مسائل الدين .
[ ص: 91 ] والحجاب : الستر المرخى على باب البيت .
وكانت الستور مرخاة على أبواب بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - الشارعة إلى المسجد .
وقد ورد ما يبين ذلك في حديث الوفاة حين
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342421خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - على الناس وهم في الصلاة فكشف الستر ثم أرخى الستر .
و من وراء حجاب متعلق بـ ( فاسألوهن ) فهو قيد في السائل والمسئول المتعلق ضميراهما بالفعل الذي تعلق به المجرور . و ( من ) ابتدائية . والوراء : مكان الخلف وهو مكان نسبي باعتبار المتجه إلى جهة ، فوراء الحجاب بالنسبة للمتجهين إليه فالمسئولة مستقبلة حجابها والسائل من وراء حجابها والعكس .
والإشارة بـ ( ذلكم ) إلى المذكور ، أي السؤال المقيد بكونه من وراء حجاب .
واسم التفضيل في قوله ( أطهر ) مستعمل للزيادة دون التفضيل .
والمعنى : ذلك أقوى طهارة لقلوبكم وقلوبهن فإن قلوب الفريقين طاهرة بالتقوى وتعظيم حرمات الله وحرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن لما كانت التقوى لا تصل بهم إلى درجة العصمة أراد الله أن يزيدهم منها بما يكسب المؤمنين مراتب من الحفظ الإلهي من الخواطر الشيطانية بقطع أضعف أسبابها وما يقرب
أمهات المؤمنين من مرتبة العصمة الثابتة لزوجهن - صلى الله عليه وسلم - فإن الطيبات للطيبين بقطع الخواطر الشيطانية بقطع دابرها ولو بالفرض .
وأيضا فإن للناس أوهاما وظنونا سوأى تتفاوت مراتب نفوس الناس فيها صرامة ، ووهنا ، ووفاقا وضعفا ، كما وقع في قضية الإفك المتقدمة في سورة النور فكان شرع حجاب أمهات المؤمنين قاطعا لكل تقول وإرجاف أو بغير عمد .
ووراء هذه الحكم كلها حكمة أخرى سامية وهي زيادة تقرير أمومتهن للمؤمنين في قلوب المؤمنين التي هي أمومة جعلية شرعية . بحيث إن ذلك المعنى الجعلي الروحي وهو كونهن أمهات المؤمنين يرتد وينعكس إلى باطن النفس وتنقطع عنه الصور الذاتية وهي كونهن فلانة أو فلانة فيصبحن غير متصورات إلا بعنوان الأمومة فلا يزال ذلك المعنى الروحي ينمي في النفوس ، ولا تزال الصورة الحسية
[ ص: 92 ] تتضاءل من القوة المدركة حتى يصبح معنى أمهات المؤمنين معنى قريبا في النفوس من حقائق المجردات كالملائكة ، وهذه حكمة من حكم الحجاب الذي سنه الناس لملوكهم في القدم ليكون ذلك أدخل لطاعتهم في نفوس الرعية . وبهذه الآية مع الآية التي تتقدمها من قوله يا نساء النبي لستن كأحد من النساء تحقق معنى الحجاب لأمهات المؤمنين المركب من ملازمتهن بيوتهن وعدم ظهور شيء من ذواتهن حتى الوجه والكفين ، وهو حجاب خاص بهن لا يجب على غيرهن ، وكان المسلمون يقتدون بأمهات المؤمنين ورعا وهم متفاوتون في ذلك على حسب العادات ، ولما أنشد
النميري عند
الحجاج قوله :
يخمرن أطراف البنان من التقى ويخرجن جنح الليل معتجرات
قال
الحجاج : وهكذا المرأة الحرة المسلمة .
ودل قوله لقلوبكم وقلوبهن أن الأمر متوجه لرجال الأمة ولنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - على السواء . وقد ألحق بأزواج النبي - عليه السلام بنته
فاطمة فلذلك لما خرجوا بجنازتها جعلوا عليها قبة حتى دفنت ، وكذلك قبة على
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش في خلافة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب .