ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير عطف فضيلة
سليمان على فضيلة
داود للاعتبار بما أوتيه
سليمان من فضل
[ ص: 158 ] كرامة لأبيه على إنابته
ولسليمان على نشأته الصالحة عند أبيه ، فالعطف على
ولقد آتينا داود منا فضلا والمناسبة مثل مناسبة ذكر
داود فإن
سليمان كان موصوفا بالإنابة ، قال تعالى ( ثم أناب ) في سورة ص .
و ( الريح ) عطف على ( الحديد ) في قوله ( وألنا له الحديد ) بتقدير فعل يدل عليه ( وألنا ) . والتقدير : وسخرنا لسليمان الريح على نحو قول الشاعر :
متقلدا سيفا ورمحا
أي وحاملا رمحا .
واللام في قوله
لسليمان لام التقوية ، أنه لما حذف الفعل لدلالة ما تقدم عليه قرن مفعول الأول بلام التقوية لأن الاحتياج إلى لام التقوية عند حذف الفعل أشد من الاحتياج إليها عند تأخير الفعل عن المفعول . و الريح مفعول ثان .
ومعنى تسخيره الريح : خلق ريح تلائم سير سفائنه للغزو أو التجارة ، فجعل الله لمراسيه في شطوط
فلسطين رياحا موسمية تهب شهرا مشرقة لتذهب في ذلك الموسم سفنه ، وتهب شهرا مغربة لترجع سفنه إلى شواطئ
فلسطين كما قال تعالى
ولسليمان الريح تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها في سورة الأنبياء .
فأطلق الغدو على الانصراف والانطلاق من المكان تشبيها بخروج الماشية للرعي في الصباح وهو وقت خروجها ، أو تشبيها بغدو الناس في الصباح .
وأطلق الرواح على الرجوع من النهمة التي يخرج لها كقول
أبي ربيعة .
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر غداة غد أم رائح فمؤخر
لأن عرفهم أن رواح الماشية يكون في المساء فهو مشتق من راح إذا رجع إلى مقره .
وقرأ الجمهور (
ولسليمان الريح ) بلفظ إفراد ( الريح ) وبنصب ( الريح ) على أنه معطوف على الحديد في قوله ( وألنا له الحديد ) . وقرأ
أبو بكر عن
[ ص: 159 ] عاصم برفع ( الريح ) على أنه من عطف الجمل ، و ( الريح ) مبتدأ و ( لسليمان ) خبر مقدم . وقرأه
أبو جعفر ( الرياح ) بصيغة الجمع منصوبا .
و القطر بكسر القاف وسكون الطاء : النحاس المذاب . وتقدم في قوله تعالى
قال آتوني أفرغ عليه قطرا في سورة الكهف .
والإسالة : جعل الشيء سائلا ، أي منبطحا في الأرض كمسيل الوادي .
و عين القطر : ليست عينا حقيقية ولكنها مستعارة لمصب ما يصهر في مصانعه من النحاس حتى يكون النحاس المذاب سائلا خارجا من فساقي ونحوها من الأنابيب كما يخرج الماء من العين لشدة إصهار النحاس وتوالي إصهاره فلا يزال يسيل ليصنع له آنية وأسلحة ودرقا ، وما ذلك إلا بإذابة وإصهار خارقين للمعتاد بقوة إلاهية ، شبه الإصهار بالكهرباء أو بالألسنة النارية الزرقاء ، وذلك ما لم يؤته ملك من ملوك زمانه .
ويجوز أن يكون السيلان مستعارا لكثرة القطر كثرة تشبه كثرة ماء العيون والأنهار كقول
كثير :
وسالت بأعناق المطي الأباطح
ويكون ( أسلنا ) أيضا ترشيحا لاستعارة اسم العين لمعنى مذاب القطر ، ووجه الشبه الكثرة .
وقوله
ومن الجن من يعمل بين يديه يجوز أن يكون عطفا على جملة ( وأسلنا له عين القطر ) فقوله ( من يعمل بين يديه ) مبتدأ وقوله ( بإذن ربه ) خبر . و ( من ) في قوله ( من الجن ) بيان لإبهام ( من ) قدم على المبين للاهتمام به لغرابته ، وهو في موضع الحال . ولك أن تجعل ( من يعمل ) عطفا على الريح في قوله ( ولسليمان الريح ) أي سخرنا له من يعمل بين يديه من الجن ، وتجعل جملة
وأسلنا له عين القطر معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه .
ومعنى ( يعمل بين يديه ) يخدمه ويطيعه . يقال : أنا بين يديك ، أي مطيع .
[ ص: 160 ] ولا يقتضي هذا أن يكون عملته الجن وحدهم بل يقتضي أن منهم عملة وفي آية النمل
من الجن والإنس والطير .
والزيغ : تجاوز الحد والطريق . والمعنى : من يعص أمرنا الجاري على لسان
سليمان .
وذكر الجن في جند
سليمان - عليه السلام - تقدم في سورة النمل .
و عذاب السعير : عذاب النار تشبيه أي عذاب كعذاب جهنم وأما عذاب جهنم فإنما يكون حقيقة يوم الحساب .