وأسروا الندامة لما رأوا العذاب يجوز أن يكون عطفا على جملة
يرجع بعضهم إلى بعض القول فتكون حالا . ويجوز أن تعطف على جملة
إذ الظالمون موقوفون عند ربهم .
وضمير الجمع عائد إلى جميع المذكورين قبل وهم الذين استضعفوا والذين استكبروا . والمعنى : أنهم كشف لهم عن العذاب المعد لهم ، وذلك عقب المحاورة التي جرت بينهم ، فعلموا أن ذلك الترامي الواقع بينهم لم يغن عن أحد من الفريقين شيئا ، فحينئذ أيقنوا بالخيبة وندموا على ما فات منهم في الحياة الدنيا وأسروا الندامة في أنفسهم ، وكأنهم أسروا الندامة استبقاء للطمع في صرف ذلك عنهم أو اتقاء للفضيحة بين أهل الموقف ، وقد أعلنوا بها من بعد كما في قوله تعالى
قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها في سورة الأنعام ، وقوله
لو أن لي كرة فأكون من المحسنين في سورة الزمر .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وابن عطية : أن من المفسرين من فسر " أسروا " هنا بمعنى أظهروا ، وزعم أن أسر مشترك بين ضدين . فأما
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري فسلمه ولم يتعقبه وقد فسر الزوزني الإسرار بالمعنيين في قول
امرئ القيس :
[ ص: 210 ] تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا علي حراصا لو يسرون مقتلي
وأما
ابن عطية فأنكره ، وقال : ولم يثبت قط في اللغة أن أسر من الأضداد . قلت : وفيه نظر . وقد عد هذه الكلمة في الأضداد كثير من أهل اللغة وأنشد
أبو عبيدة قول
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
ولما رأى الحجاج جرد سيفه أسر الحروري الذي كان أضمرا
وفي كتاب الأضداد
لأبي الطيب الحلبي : قال
أبو حاتم : ولا أثق بقول
أبي عبيدة في القرآن ولا في قول
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق nindex.php?page=showalam&ids=14899والفرزدق كثير التخليط في شعره . وذكر
أبو الطيب عن
التوزي أن غير
أبي عبيدة أنشد بيت
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق والذي جر على تفسير " أسروا " بمعنى أظهروا هنا هو ما يقتضي إعلانهم بالندامة من قولهم
لولا أنتم لكنا مؤمنين ، وفي آيات أخرى مثل قوله تعالى
ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا الآية .
والندامة : التحسر من عمل فات تداركه . وقد تقدمت عند قوله تعالى
فأصبح من النادمين في سورة العقود .