ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود
عطف على جملة
ألم تر أن الله فهي مثلها مستأنفة ، وعطفها عليها للمناسبة الظاهرة .
و جدد مبتدأ
ومن الجبال خبره . وتقديم الخبر للاهتمام وللتشويق لذكر المبتدأ حثا على التأمل والنظر .
و " من " تبعيضية على معنى : وبعض تراب الجبال جدد ، ففي الجبل الواحد توجد جدد مختلفة ، وقد يكون بعض الجدد بعضها في بعض الجبال وبعض آخر في بعض آخر .
وجدد : جمع جدة بضم الجيم ، وهي الطريقة والخطة في الشيء تكون واضحة فيه . يقال للخطة السوداء التي على ظهر الحمار جدة ، وللظبي جدتان مسكيتا اللون تفصلان بين لوني ظهره وبطنه ، والجدد البيض التي في الجبال هي ما كانت صخورا بيضاء مثل المروة ، أو كانت تقرب من البياض فإن من التراب ما يصير في لون الأهصب فيقال : تراب أبيض ، ولا يعنون أنه أبيض كالجير والجص بل يعنون أنه مخالف لغالب ألوان التراب ، والجدد الحمر هي ذات الحجارة الحمراء في الجبال .
وغرابيب : جمع غربيب ، والغربيب : اسم للشيء الأسود الحالك سواده ، ولا تعرف له مادة مشتق هو منها ، وأحسب أنه مأخوذ من الجامد ، وهو الغراب لشهرة الغراب بالسواد .
وسود : جمع أسود وهو الذي لونه السواد .
[ ص: 303 ] فالغربيب يدل على أشد من معنى أسود ، فكان مقتضى الظاهر أن يكون غرابيب متأخرا عن سود لأن الغالب أنهم يقولون : أسود غربيب ، كما يقولون : أبيض يقق وأصفر فاقع وأحمر قان ، ولا يقولون : غربيب أسود وإنما خولف ذلك للرعاية على الفواصل المبنية على الواو والياء الساكنتين ابتداء من قوله
والله هو الغني الحميد ، على أن في دعوى أن يكون غريبا تابعا لأسود نظرا ، والآية تؤيد هذا النظر ، ودعوى كون غرابيب صفة لمحذوف يدل عليه سود تكلف واضح ، وكذلك دعوى
الفراء : أن الكلام على التقديم والتأخير ، وغرض التوكيد حاصل على كل حال .