وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا
لما عرض وصف الأمم السابقة بأنهم أشد قوة من
قريش في معرض التمثيل بالأولين تهديدا واستعدادا لتلقي مثل عذابهم أتبع ذلك بالاحتراس عن الطماعية في النجاة من مثل عذابهم بعلة أن لهم من المنجيات ما لم يكن للأمم الخالية كزعمهم : أن لهم آلهة تمنعهم من عذاب الله بشفاعتها أو دفعها فقيل
وما [ ص: 339 ] كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض ، أي هبكم أقوى من الأولين وأشد حيلة منهم ، أو لكم من الأنصار ما ليس لهم ، فما أنتم بمفلتين من عذاب الله ؛ لأن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء كقوله
وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير .
وجيء بلام الجحود مع كان المنفية لإفادة تأكيد نفي كل شيء يحول دون قدرة الله وإرادته ، فهذه الجملة كالاحتراس .
ومعنى يعجزه : يجعله عاجزا عن تحقيق مراده فيه فيفلت أحد عن مراد الله منه .
وجملة
إنه كان عليما قديرا تعليل لانتفاء شيء يغالب مراد الله بأن الله شديد العلم واسعه لا يخفى عليه شيء وبأنه شديد القدرة .
وقد حصر هذان الوصفان انتفاء أن يكون شيء يعجز الله لأن عجز المريد عن تحقيق إرادته : إما أن يكون سببه خفاء موضع تحقق الإرادة ، وهذا ينافي إحاطة العلم ، أو عدم استطاعة التمكن منه وهذا ينافي عموم القدرة .