أغراض هذه السورة
التحدي بإعجاز القرآن بالحروف المقطعة ، وبالقسم بالقرآن تنويها به ، وأدمج وصفه بالحكيم إشارة إلى بلوغه أعلى درجات الإحكام . والمقصود من ذلك
تحقيق رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وتفضيل الدين الذي جاء به في كتاب منزل من الله لإبلاغ الأمة الغاية السامية ؛ وهي استقامة أمورها في الدنيا والفوز في الحياة الأبدية ، فلذلك وصف الدين بالصراط المستقيم كما تقدم في سورة الفاتحة .
وأن القرآن داع لإنقاذ العرب الذين لم يسبق مجيء رسول إليهم ، لأن عدم سبق الإرسال إليهم تهيئة لنفوسهم لقبول الدين إذ ليس فيها شاغل سابق يعز عليهم فراقه أو يكتفون بما فيه من هدى .
ووصف إعراض أكثرهم عن تلقي الإسلام ، وتمثيل حالهم الشنيعة ، وحرمانهم من الانتفاع بهدي الإسلام وأن
الذين اتبعوا دين الإسلام هم أهل الخشية ، وهو الدين الموصوف بالصراط المستقيم .
وضرب المثل لفريقي المتبعين والمعرضين من أهل القرى بما سبق من حال أهل القرية الذين شابه تكذيبهم الرسل تكذيب
قريش .
[ ص: 343 ] وكيف كان جزاء المعرضين من أهلها في الدنيا وجزاء المتبعين في درجات الآخرة .
ثم ضرب المثل بالأعم وهم القرون الذين كذبوا فأهلكوا .
والرثاء لحال الناس في إضاعة أسباب الفوز كيف يسرعون إلى
تكذيب الرسل .
وتخلص إلى الاستدلال على تقريب البعث وإثباته بالاستقلال تارة وبالاستطراد أخرى .
مدمجا في آياته الامتنان بالنعمة التي تتضمنها تلك الآيات .
ورامزا إلى دلالة تلك الآيات والنعم على تفرد خالقها ومنعمها بالوحدانية إيقاظا لهم .
ثم تذكيرهم بأعظم حادثة حدثت على المكذبين للرسل والمتمسكين بالأصنام من الذين أرسل إليهم
نوح نذيرا ، فهلك من كذب ، ونجا من آمن .
ثم سيقت دلائل التوحيد المشوبة بالامتنان للتذكير بواجب الشكر على النعم بالتقوى والإحسان وترقب الجزاء .
والإقلاع عن الشرك والاستهزاء بالرسول واستعجال وعيد العذاب .
وحذروا من حلوله بغتة حين يفوت التدارك .
وذكروا بما عهد الله إليهم مما أودعه في الفطرة من الفطنة .
والاستدلال على
عداوة الشيطان للإنسان .
واتباع دعاة الخير .
ثم رد العجز على الصدر فعاد إلى
تنزيه القرآن عن أن يكون مفترى صادرا من شاعر بتخيلات الشعراء .
وسلى الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يحزنه قولهم وأن له بالله أسوة إذ خلقهم فعطلوا قدرته عن إيجادهم مرة ثانية ولكنهم راجعون إليه .
[ ص: 344 ] فقامت السورة على تقرير أمهات أصول الدين على أبلغ وجه وأتمه من إثبات الرسالة ، ومعجزة القرآن ، وما يعتبر في صفات الأنبياء وإثبات القدر ، وعلم الله ، والحشر ، والتوحيد ، وشكر المنعم ، وهذه أصول الطاعة بالاعتقاد والعمل ، ومنها تتفرع الشريعة . وإثبات الجزاء على الخير والشر مع إدماج الأدلة من الآفاق والأنفس بتفنن عجيب ، فكانت هذه السورة جديرة بأن تسمى " قلب القرآن " لأن من تقاسيمها تتشعب شرايين القرآن كله ، وإلى وتينها ينصب مجراها .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : إن ذلك لأن الإيمان صحته باعتراف بالحشر ، والحشر مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه ، كما سميت الفاتحة أم القرآن إذ كانت جامعة لأصول التدبر في أفانيه كما تكون أم الرأس ملاك التدبر في أمور الجسد .