قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وما علينا إلا البلاغ المبين حكيت هذه المحاورة على سنن حكاية المحاورات بحكاية أقوال المتحاورين دون عطف .
و (
ربنا يعلم ) قسم لأنه استشهاد بالله على صدق مقالتهم ، وهو يمين قديمة انتقلها العرب في الجاهلية فقال
الحارث بن عباد :
لم أكن من جناتها علم الـلـ ـه وإني لحرها اليوم صالي
ويظهر أنه كان مغلظا عندهم لقلة وروده في كلامهم ولا يكاد يقع إلا في مقام مهم . وهو عند علماء المسلمين يمين كسائر الأيمان فيها كفارة عند الحنث .
وقال بعض علماء الحنفية : أن لهم قولا بأن الحالف به كاذبا تلزمه الردة لأنه نسب إلى علم الله ما هو مخالف للواقع ، فآل إلى جعل علم الله جهلا . وهذا يرمي إلى التغليظ والتحذير ، وإلا فكيف يكفر أحد بلوازم بعيدة .
[ ص: 362 ] واضطرهم إلى شدة التوكيد بالقسم ما رأوا من تصميم كثير من أهل القرية على تكذيبهم . ويسمى هذا المقدار من التأكيد ضربا إنكاريا .
وأما قولهم
وما علينا إلا البلاغ المبين فذلك وعظ وعظوا به القوم ليعلموا أنهم لا منفعة تنجر لهم من إيمان القوم ، وإعلان لهم بالتبرؤ من عهدة بقاء القوم على الشرك ، وذلك من شأنه أن يثير النظر الفكري في نفوس القوم .
والبلاغ : اسم مصدر من أبلغ إذا أوصل خبرا ، قال تعالى
إن عليك إلا البلاغ وقال
هذا بلاغ للناس ، ولا يستعمل البلاغ في إيصال الذوات .
والفقهاء يقولون في كراء السفن والرواحل : إن منه ما هو على البلاغ . يريدون على الوصول إلى مكان معين بين المكري والمكتري .
والمبين : وصف للبلاغ ، أي البلاغ الواضح دلالة ، وهو الذي لا إيهام فيه ولا مواربة .