الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون بدل من
الذي أنشأها بدلا مطابقا ، وإنما لم تعطف الصلة على الصلة فيكتفى بالعطف عن إعادة اسم الموصول ؛ لأن في إعادة الموصول تأكيدا للأول واهتماما بالثاني حتى تستشرف نفس السامع لتلقي ما يرد بعده فيفطن بما في
[ ص: 77 ] هذا الخلق من الغرابة إذ هو إيجاد الضد وهو نهاية الحرارة من ضده وهو الرطوبة . وهذا هو وجه وصف الشجر بالأخضر إذ ليس المراد من الأخضر اللون وإنما المراد لازمه وهو الرطوبة ؛ لأن الشجر أخضر اللون ما دام حيا فإذا جف وزالت منه الحياة استحال لونه إلى الغبرة فصارت الخضرة كناية عن رطوبة النبت وحياته . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذو الرمة :
ولما تنمت تأكل الرم لم تـدع ذوابل مما يجمعون ولا خضرا
ووصف الشجر وهو اسم جمع شجرة ، وهو مؤنث المعنى بـ ( الأخضر ) بدون تأنيث مراعاة للفظ الموصوف بخلوه عن علامة تأنيث وهذه لغة
أهل نجد ، وأما
أهل الحجاز فيقولون : شجر خضراء على اعتبار معنى الجمع ، وقد جاء القرآن بهما في قوله (
فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ) .
والمراد بالشجر هنا : شجر المرخ - بفتح الميم وسكون الراء - وشجر العفار - بفتح العين المهملة وفتح الفاء - فهما شجران يقتدح بأغصانهما يؤخذ غصن من هذا وغصن من الآخر بمقدار المسواك ، وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ على العفار فتنقدح النار ، قيل : يجعل العفار أعلى والمرخ أسفل ، وقيل العكس لأن
الجوهري وابن سيده في المخصص قالا : العفار هو الزند وهو الذكر والمرخ الأنثى وهو الزندة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الكشاف : المرخ الذكر والعفار الأنثى ، والنار هي سقط الزند ، وهو ما يخرج عند الاقتداح مشتعلا فيوضع تحته شيء قابل للالتهاب من تبن أو ثوب به زيت فتخطف فيه النار .
والمفاجأة المستفادة من
فإذا أنتم منه توقدون دالة على عجيب إلهام الله البشر لاستعمال الاقتداح بالشجر الأخضر واهتدائهم إلى خاصيته .
والإيقاد : إشعال النار يقال : أوقد ، ويقال : وقد بمعنى .
وجيء بالمسند فعلا مضارعا لإفادة تكرر ذلك واستمراره .