فتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوف يبصرون هذا مفرع على التسلية التي تضمنها قوله
ولقد سبقت كلمتنا .
[ ص: 196 ] التولي حقيقته : المفارقة كما تقدم في قصة
إبراهيم فتولوا عنه مدبرين ، واستعمل هنا مجازا في عدم الاهتمام بما يقولونه وترك النكد من إعراضهم .
والحين : الوقت . وأجمل هنا إيماء إلى تقليله ، أي تقريبه ، فالتنكير للتحقير المعنوي وهو التقليل .
ومعنى " أبصرهم " انظر إليهم ، أي من الآن ، وعدي ( أبصر ) إلى ضميرهم الدال على ذواتهم ، وليس المراد النظر إلى ذواتهم لكن إلى أحوالهم ، أي تأمل أحوالهم تر كيف نصرك عليهم ، وهذا وعيد بما حل بهم يوم بدر .
وحذف ما يتعلق به الإبصار من حال أو مفعول معه بتقدير : وأبصرهم مأسورين مقتولين ، أو وأبصرهم وما يقضى به عليهم من أسر وقتل لدلالة ما تقدم من قوله إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون عليه ، إذ ليس المأمور به أيضا ذواتهم ، وهذا من دلالة الاقتضاء .
وصيغة الأمر في " وأبصرهم " مستعملة في الإرشاد على حد قول :
إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ فدعه وواكل أمره واللياليا
أي إذا شئت أن تتحقق قرارة حاله فانتظره .
وعبر عن ترتيب نزول الوعيد بهم بفعل الإبصار للدلالة على أن ما توعدوا به واقع لا محالة ، وأنه قريب حتى أن الموعود بالنصر يتشوف إلى حلوله ، فكان ذلك كناية عن تحققه وقربه لأن تحديق البصر لا يكون إلا إلى شيء أشرف على الحلول .
وتفريع فسوف يبصرون على " وأبصرهم " تفريع لإنذارهم بوعيد قريب على بشارة النبيء صلى الله عليه وسلم بقربه ، فإن ذلك البصر يسر النبيء صلى الله عليه وسلم ويحزن أعداءه ، ففي الكلام اكتفاء ، كأنه قيل : أبصرهم وما ينزل بهم فسوف تبصر ما وعدناك وليبصروا ما ينزل بهم فسوف يبصرونه .
وحذف مفعول " يبصرون " لدلالة ما دلت عليه دلالة الاقتضاء .
واعلم أن تفريع فسوف يبصرون على " وأبصرهم " يمنع من إرادة أن يكون المعنى : وأبصرهم حين ينزل بهم العذاب بعد ذلك الحين كما لا يخفى .