بل لما يذوقوا عذاب أتبع ذلك الإضراب بإضراب آخر يبين أن الذي جرأهم على هذا الشقاق أنهم لما تأخر حلول العذاب بهم ظنوا وعيده كاذبا فأخذوا في البذاءة والاستهزاء ، ولو ذاقوا العذاب لألقمت أفواههم الحجر .
و ( لما ) حرف نفي بمعنى ( لم ) إلا أن في ( لما ) خصوصية ، وهي أنها تدل على المنفي بها متصل الانتفاء إلى وقت التكلم بخلاف ( لم ) فلذلك كان النفي ب ( لما ) قد يفهم منه ترقب حصول المنفي بعد ذلك ، قال صاحب الكشاف في قوله تعالى
ولما يدخل الإيمان في قلوبهم في سورة الحجرات : ما في ( لما ) من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد ، أي دال بطريق المفهوم الحاصل من معنى غاية النفي إلى زمن التكلم ، أي لا أضمن ما بعد ذلك ، وقد ذاقوا عذاب السيف يوم
بدر بعد نزول هذه الآية بأربع سنين .
وإضافة ( عذاب ) إلى ياء المتكلم لاختصاصه بالله لأنه مقدره وقاض به عليهم ولوقوعه على حالة غير جارية على المعتاد ، إذ الشأن أن يستأصل الجيش القوي الجيش القليل .
وحذفت ياء المتكلم تخفيفا للفاصلة ، وأبقيت الكسرة دليلا عليها ، وهو حذف كثير في الفواصل والشعر على نحو حذفها من المنادى .